شهد حي السومرية في العاصمة السورية دمشق أحداثاً متسارعة خلال الأيام الأخيرة، بعد أن اقتحمت قوة مسلّحة ترتدي زياً عسكرياً المساكن العشوائية في الحي، مطالبة الأهالي بإخلاء منازلهم بشكل فوري. المشهد الذي أثار ذهول السكان تخلله إهانات واعتداءات طالت بعض الشبان، حتى أن مالكي العقارات الخاصة طُلب منهم بدورهم مغادرة بيوتهم، ما زاد من حدة التوتر في المنطقة.
بداية التوترات
القصة بدأت عندما تلقى سكان الحي رسالة عبر مجموعات التواصل المحلية تفيد بأن لجنة ستتولى فحص ملكية المساكن للتأكد من قانونيتها. غير أن هذه الرسالة لم تترجم إلى إجراء رسمي واضح، إذ سرعان ما تطور الأمر في اليوم التالي إلى دخول فصيل مسلح تابع لوزارة الدفاع وانتشاره في الحي، حيث فرض عناصره حصاراً مشدداً ومنعوا الدخول والخروج، مع إصدار أوامر إخلاء جماعية شملت الجميع دون استثناء، سواء كانوا يملكون عقود ملكية أم لا.
مع هذه التطورات، وجد السكان أنفسهم أمام تهديد مباشر، ترافق مع شتائم وتوبيخات واعتقالات عشوائية طالت مدنيين وعسكريين سابقين خضعوا للتسويات، بل وحتى شبان لم يتجاوزوا الثامنة عشرة من العمر. روايات الأهالي أكدت أن بعض المعتقلين تعرضوا للضرب المبرح قبل أن يُفرج عنهم بشرط مغادرة منازلهم صباح اليوم التالي.
تصاعد الانتهاكات
الأيام التالية شهدت سلسلة من الممارسات القاسية بحق سكان الحي. فقد أُغلقت المحال التجارية، وفُرض حظر تجول غير معلن، فيما واصل العناصر مداهمة البيوت ومصادرة هواتف السكان، لا سيما من حاول منهم توثيق ما يجري. شهادات نساء من الحي تحدثت عن تعرضهن للضرب والإهانة وحتى التهديد بـ"الدعس"، في مشهد وصفه الأهالي بالمهين وغير المسبوق.
ورغم أن بعض السكان أُبلغوا أن لقاءً سيجمعهم بالمحافظ لبحث مطالبهم، إلا أن اللقاء اقتصر في الواقع على الفصيل المسلح وحده، ما اعتُبر رسالة تهديد إضافية لمن تبقى من الأهالي. وفي خضم هذه الأحداث، سمح الفصيل لوسيلة إعلام واحدة فقط بتغطية ما يجري، بعد أن أجبر السكان على الإدلاء بتصريحات محددة سلفاً، فيما مُنع الصحفيون المستقلون أو الدوليون من الدخول.
إخلاء قسري أم تنظيم عمراني؟
حي السومرية ليس وليد اليوم، فقد نشأ في ثمانينيات القرن الماضي على أراضٍ تعود ملكيتها الأصلية لأهالي مدينة المعضمية المجاورة، وتم حينها إسكان عناصر من سرايا الدفاع فيه، ما جعله منطقة حساسة سياسياً وأمنياً. وتتنوع ملكية العقارات حالياً بين ملكيات خاصة، وأخرى للدولة، وأراضٍ مستملكة من أصحابها الأصليين، وهو ما يجعل مسألة الإخلاء معقدة وشائكة.
ورغم أن الحديث الرسمي يدور حول "تنظيم الملكية" وضبط السكن العشوائي، فإن الطريقة العنيفة التي جرى بها التنفيذ أثارت الريبة، خاصة مع غياب أي أوراق رسمية تحمل تواقيع حكومية واضحة. الأهالي اعتبروا أن ما حدث يتجاوز مسألة التنظيم إلى عملية تهجير قسري، خصوصاً أن معظمهم لم يُمنح فرصة إثبات ملكيته أو الطعن في قرارات الإخلاء.
وزارة الداخلية نفت أي علاقة لها بالموضوع، فيما لم يصدر عن وزارة الدفاع أو محافظة دمشق بيان واضح يشرح أسباب ما جرى. هذا الصمت دفع السكان للتساؤل عن الجهة الحقيقية التي تقف خلف أوامر الإخلاء، ولماذا تُنفذ بهذه السرعة والقسوة، من دون مراعاة للجانب الإنساني أو القانوني، خصوصاً أن بعض العائلات تعيش في هذه المساكن منذ عقود طويلة، ولم تعرف بيتاً غيرها.
الموقف الدولي
التطورات في حي السومرية لم تمر بصمت خارجياً، إذ أعربت الأمم المتحدة عن قلقها من التقارير الواردة حول تهديدات الإخلاء والانتهاكات بحق المدنيين، بمن فيهم النساء والأطفال. المنظمة الدولية دعت إلى ضبط النفس، وتجنب أي إجراءات متسرعة أو عنيفة، مشددة على ضرورة معالجة القضايا المرتبطة بالإسكان والأراضي والممتلكات وفق سيادة القانون والمعايير الدولية، مع إعطاء الأولوية لحماية المدنيين.
تداعيات أوسع
ما يجري في السومرية ليس حالة معزولة، بل يأتي ضمن سلسلة محاولات متفرقة في سوريا لإعادة تنظيم الأراضي والممتلكات بعد التغيرات السياسية والعسكرية الأخيرة. سقوط النظام أواخر 2024 أعاد فتح ملفات قديمة تتعلق بالممتلكات المستولى عليها أو المستملكة بشكل رسمي أو غير رسمي خلال العقود الماضية. واليوم، يسعى كثير من الأهالي لاستعادة حقوقهم، بينما تستخدم بعض الفصائل ذريعة التنظيم أو الأمن لفرض وقائع جديدة على الأرض.
في هذا السياق، يرى سكان السومرية أن مصيرهم يعكس معاناة شريحة واسعة من السوريين، ممن يواجهون خطر فقدان مساكنهم وأراضيهم تحت عناوين متعددة، في ظل غياب ضمانات قانونية حقيقية، وتجاهل السلطات للمطالب الشعبية. ومع أن بعض العائلات تمكنت من إخراج بعض المقتنيات قبل مغادرة منازلها، فإن الغالبية تخشى أن تتحول هذه العملية إلى تهجير دائم، يقطع صلتهم بممتلكاتهم وذكرياتهم.