أعلنت حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح، اليوم، أن تسليم الدفعة الثالثة من الأسلحة الثقيلة والمتوسطة التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية إلى الجيش اللبناني يمثل أكبر عملية من نوعها منذ عام 1991، ويشمل عشر مخيمات فلسطينية من أصل اثني عشر في لبنان. وأكدت فتح أن هذه الخطوة تأتي بالتنسيق الكامل مع أجهزة الأمن اللبنانية، وتهدف إلى تعزيز التعاون المشترك بين الشعبين الفلسطيني واللبناني، وبسط سلطة الدولة اللبنانية على كامل أراضيها وضمان حصرية السلاح بيدها.
وأكدت الحركة أن العملية تهدف أيضًا إلى تحسين الظروف المعيشية والاجتماعية والاقتصادية للاجئين الفلسطينيين، بما يضمن لهم حياة كريمة، ويمنع استغلالهم في أي صراعات أو أجندات خارجية، من دون المساس بحقهم في العودة. وشددت فتح على أن الهدف هو تحقيق مخيم فلسطيني آمن ومستقر، يحافظ على رمزيته الوطنية كعنوان لحق العودة، ويتيح بيئة مناسبة للعمل والإنتاج والصمود، بما يعزز حضور اللاجئ الفلسطيني كجزء أصيل من نضاله وقضيته العادلة.
المرحلة الأولى من نزع السلاح شملت مخيمات برج البراجنة، شاتيلا، مار إلياس في بيروت، والرشيدية، البص، والبرج الشمالي في صور، وقد تمت العملية تحت إشراف لجان أمنية مشتركة، مع ضمان عدم تدخل الجيش اللبناني داخل المخيمات لتفادي أي احتكاكات مع السكان المحليين.
أما المرحلة الثالثة، فهي الأصعب، وتشمل نزع السلاح من مخيمات البداوي في الشمال، الجليل في البقاع، المية ومية، وعين الحلوة في صيدا. ويعد مخيم عين الحلوة الأكبر من حيث عدد السكان، إذ يعيش فيه نحو 120 ألف فلسطيني في مساحة لا تتجاوز 1.5 كيلو متر مربع. ويشكل تنوع الفصائل داخله تحديًا كبيرًا أمام السلطات اللبنانية، فبينما تسلمت حركة فتح جزءًا من الأسلحة، ترفض فصائل أخرى نزع أسلحتها، معتبرة أن السلاح مخصص للدفاع عن المخيم والفلسطينيين، خاصة في مواجهة أي تهديدات خارجية.
ويبرز مخيم عين الحلوة كحالة معقدة نظرًا لدعم بعض الفصائل الفلسطينية من قبل مجموعات خارجية، مما يزيد من صعوبة فرض نزع السلاح بالقوة. ويشكل ذلك اختبارًا حقيقيًا لتعاون الجيش اللبناني مع الفصائل الفلسطينية الراغبة في الالتزام بالقوانين اللبنانية، وسط مخاوف من اندلاع مواجهات مسلحة قد تهدد استقرار صيدا والمناطق المجاورة.
على المستوى السياسي، تمثل هذه الخطوة تنفيذًا لاتفاق بين القيادة الفلسطينية والرئيس اللبناني، يؤسس لمرحلة جديدة من الشراكة بين الشعبين، قائمة على احترام السيادة اللبنانية والالتزام بالقوانين المحلية، دون المساس بحق العودة أو الحقوق الأساسية للفلسطينيين. وتندرج هذه الخطوة ضمن رؤية أوسع لتحسين الظروف المعيشية داخل المخيمات، بما يضمن حياة كريمة للاجئين ويحد من استغلالهم سياسيًا أو عسكريًا، ويعزز استقرار المخيمات.
ومع ذلك، تواجه السلطات تحديات كبيرة في المخيمات التي لا تزال تحتفظ بالأسلحة، لا سيما مخيم عين الحلوة. الطبيعة المركبة للفصائل والمواقف المختلفة من نزع السلاح تجعل العملية حساسة للغاية، حيث إن أي محاولة لفرض التنفيذ بالقوة قد تؤدي إلى مواجهات مسلحة مباشرة، مع مخاطر امتداد التوتر إلى المناطق المجاورة وتأثيره على الأمن العام في جنوب لبنان.
العملية الأخيرة لا تقتصر على الجانب الأمني فقط، بل تشمل أيضًا جهودًا لتحسين الظروف المعيشية داخل المخيمات، عبر دعم البنية التحتية والخدمات الأساسية، بما يحقق حياة كريمة للاجئين ويحد من استغلالهم سياسيًا أو عسكريًا. ويعد هذا الجانب الاجتماعي جزءًا لا يتجزأ من استراتيجية تعزيز سيادة الدولة اللبنانية وضمان الأمن والاستقرار في المخيمات.