تواصل الحكومة السورية و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) العمل على مسار تفاوضي طويل الأمد، بهدف تنفيذ الاتفاق الموقع في 10 آذار الماضي، والذي يهدف إلى دمج المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرقي سوريا ضمن إطار الدولة السورية، وضمان حقوق جميع السوريين في التمثيل والمشاركة السياسية بغض النظر عن خلفياتهم الدينية والعرقية. رغم الرغبة المشتركة في المسار السياسي، يظل التنفيذ بطيئًا بسبب تعقيدات متعددة تشمل الاختلافات الداخلية والإقليمية والدور الدولي في الملف.
الاتفاق بين الطرفين شكل أرضية للتفاهم، حيث تعهدت دمشق و”قسد” بعدم اللجوء للحل العسكري، مع التركيز على الحوار والتفاوض لتجنب أي تصعيد جديد. ومع ذلك، تبقى بعض البنود متعثرة، وتستمر الاجتماعات بين الطرفين للوصول إلى صيغة عملية يمكن من خلالها تنفيذ كافة بنود الاتفاق. ويظهر التحدي الأكبر في كيفية دمج “قسد” ضمن المؤسسات الحكومية بطريقة تحفظ استقرار المنطقة وتحافظ على حقوق كافة الفصائل.
الرؤية السورية تركز على أن أي تفاوض يجب أن يحترم السيادة الوطنية ويعتمد على جدول زمني واضح للتنفيذ، مع الالتزام الكامل ببنود الاتفاق، دون أي محاولات للتدويل أو تحويل القضية إلى ملف إقليمي. في المقابل، تحاول “قسد” الحفاظ على هامش زمني أوسع للتفاوض، بما يتيح لها الحفاظ على دورها السياسي والعسكري ضمن شمال شرقي سوريا، وفي الوقت نفسه التفاوض على حقوق مكونات الإدارة الذاتية بشكل مستقل، ما يخلق بعض التباينات في الرؤى بين الطرفين.
الحوار بين دمشق و”قسد” يشمل الوساطة الدولية، حيث تلعب الولايات المتحدة دور الوسيط الرئيسي، مع محاولات لتقريب وجهات النظر بين الطرفين، بينما تظهر تركيا دعمًا لدمشق في إطار الحفاظ على وحدة الدولة السورية ووقف أي مساعٍ للانفصال. بالمقابل، تظهر بعض الدول الأوروبية اهتمامًا بدعم “قسد” لضمان استمرار دورها السياسي، ما يخلق تفاوتًا في الأدوار الدولية ويزيد من تعقيد مسار التفاوض.
رغم البطء في تنفيذ الاتفاق، يشير الواقع إلى أن الطرفين ملتزمان بالمسار السياسي، ويعملان على معالجة التفاصيل المعقدة بشكل تدريجي. أحد أبرز البنود المطروحة هو دمج “قسد” في الحكومة السورية، بما في ذلك المؤسسات المدنية والعسكرية والمعابر الحدودية وحقول النفط والغاز، دون المساس بالاستقرار أو حقوق المكونات المختلفة في شمال شرقي سوريا.
أحداث مثل ما شهدته السويداء سابقًا، حيث وقعت اشتباكات بين فصائل محلية والحكومة، شكلت حافزًا للطرفين لتجنب الحل العسكري. فالخطر من تحول النزاع السياسي إلى مواجهة مسلحة يدفع دمشق و”قسد” لتبني سياسة الحوار الطويل الأمد، وإعطاء مساحة زمنية كافية لمناقشة التفاصيل الفنية والتنفيذية للاتفاق. الهدف من هذه المرونة الزمنية هو حماية الزخم الدولي والدعم المحلي، وتجنب فقدانه نتيجة أي تصعيد عسكري مفاجئ.
تظل الاختلافات في الأجندات الإقليمية والدولية أحد أكبر العوامل المؤثرة في مسار التفاوض. فتركيا تميل لدعم دمشق وتطبيق الاتفاق، بينما تحاول بعض الدول الأوروبية الحفاظ على دور “قسد” السياسي، في حين تضغط الولايات المتحدة لتثبيت البنود الأساسية للاتفاق وتهيئة الأرضية للانسحاب من شمال شرقي سوريا بشكل آمن. هذا التباين في الدور الإقليمي يعكس تعقيدات كبيرة يجب التعامل معها بحذر لضمان نجاح الاتفاق على المدى الطويل.
إلى جانب ذلك، يظل الجانب السياسي الداخلي معقدًا، إذ يجب على الحكومة السورية تنظيم العلاقة بين مؤسساتها والمكونات المحلية ضمن “الإدارة الذاتية” بطريقة تضمن حقوق الجميع، مع مراعاة الظروف الاجتماعية والعرقية المتنوعة. وبالمقابل، تحتاج “قسد” إلى الحفاظ على قدرتها التنظيمية والسياسية ضمن إطار الدولة السورية دون أن يفقد الطرفان الثقة المتبادلة.
النتيجة هي أن المفاوضات تجري بنفَس طويل، بعيدًا عن أي استعجال، مع التركيز على الحل السياسي والديبلوماسي. يسعى الطرفان لتجنب أي صدام مسلح قد يضر بمصالحهما ويؤدي إلى تعقيدات إضافية على الأرض. هذا النهج يعكس إدراكًا مشتركًا لأهمية الاستقرار في شمال شرقي سوريا وضرورة إيجاد صيغة توافقية مستدامة تضمن حقوق كافة الأطراف وتحقق الأمن والسلام الداخلي.
الاتفاق النهائي، إذا أُنجز، سيشكل نموذجًا للتفاهم بين الحكومة المركزية والمكونات المحلية، ويتيح دمجًا سلسًا للمؤسسات العسكرية والمدنية ضمن الدولة، مع الحفاظ على مصالح السكان المحليين وحقوقهم السياسية. ويعكس هذا المسار التزام الطرفين بالحوار الطويل، وإدراكهما أن الحلول السريعة أو العسكرية لن تؤدي إلى نتائج مستدامة، بل قد تعيد المنطقة إلى دائرة النزاع والفوضى.
في الخلاصة، يمكن القول إن الحوار بين دمشق و”قسد” مستمر بنفَس طويل، مع رغبة مشتركة في تطبيق اتفاق 10 آذار بشكل كامل. التحديات متعددة، تشمل التباينات الداخلية والإقليمية والدولية، وتعقيدات التنفيذ على الأرض، لكن الهدف النهائي واضح: بناء تفاهم سياسي مستدام يضمن حقوق الجميع ويعزز الأمن والاستقرار في شمال شرقي سوريا، بعيدًا عن أي تصعيد مسلح أو تدخلات خارجية تؤثر على سير العملية.