سوريا وإسرائيل: مسار المفاوضات بين الشك والتهديد

سامر الخطيب

2025.08.31 - 01:36
Facebook Share
طباعة

 
على الرغم من الحديث عن استئناف المفاوضات بين سوريا وإسرائيل لعقد اتفاق أمني، إلا أن التطورات الأخيرة تشير إلى أن الثقة بين الطرفين شبه معدومة، وأن أي تقدم قد يظل مرهونًا بعوامل عدة، أبرزها الأحداث الميدانية الأخيرة والتباين في الرؤى الأمنية والسياسية. فبينما تسعى سوريا لضبط الوضع في جنوبها على أساس اتفاق فض الاشتباك لعام 1974، تسعى إسرائيل إلى فرض منطقة منزوعة السلاح في الجنوب السوري، مع الحفاظ على المواقع التي سيطرت عليها، بما فيها القمة الاستراتيجية في جبل الحرمون.


الأحداث الميدانية الأخيرة في ريف دمشق، بما في ذلك استهداف مواقع عسكرية سورية وتنفيذ إنزال جوي إسرائيلي في منطقة الكسوة، تؤكد التوتر الكبير بين الجانبين. هذه العمليات، التي لم تسفر عن اشتباكات مباشرة في بعض الحالات، ترافقها تحركات استخباراتية ورصد مستمر، ما يزيد من حساسية الوضع ويضعف أية فرص للتفاهم السريع. من جانبها، تؤكد القيادة السورية أن أي تفاوض يجب أن يحترم سيادة البلاد وحدودها المعترف بها دوليًا، وأن لا يكون على حساب الأرض السورية أو الأمن الوطني.


على الصعيد السياسي، ترفض دمشق نسخ أي من نماذج الاتفاقات الإبراهيمية التي جرت مع دول عربية أخرى، معتبرة أن ظروفها مختلفة تمامًا بسبب الجوار المباشر مع إسرائيل واحتلال الجولان. وتشدد سوريا على العودة إلى قواعد فض الاشتباك أو أي صيغة مشابهة، بما يضمن إشرافًا دوليًا على المنطقة الجنوبية ويمنع أي تجاوزات على الأراضي السورية.


تؤكد سوريا، ضمن هذه المعادلة، أنها لن تتنازل عن أراضيها مهما كانت الضغوط، وأن سياستها الخارجية تختلف عن النماذج السابقة التي كانت تعتمد التنازل الجزئي لتخفيف التوترات. وتعتمد دمشق في تعاملها مع المفاوضات على تنسيق دبلوماسي واسع مع شركائها الإقليميين والدوليين، من أجل الوصول إلى حلول تمنع أي تصعيد مسلح وتضع حدًا للتدخلات العسكرية الإسرائيلية على الأرض.


في المقابل، تسعى إسرائيل إلى فرض حقائق ميدانية لتعزيز موقفها التفاوضي، بما في ذلك السيطرة على مواقع استراتيجية وإقامة منطقة عازلة جنوب سوريا. وتبرر إسرائيل هذه الإجراءات بحماية أمنها القومي وضرورة التحرك بشكل مستقل على الحدود الجنوبية، ما يعكس استمرار سياسة الضغط العسكري لدفع سوريا لقبول شروطها. هذه السياسات، رغم قوتها العسكرية، تواجه تحديات كبيرة على الأرض، حيث تعتبر القيادة السورية هذه المواقع خطوط دفاعية أساسية وليست ورقة مساومة مؤقتة.


انعدام الثقة بين الطرفين يبدو جليًا على المستوى السياسي أيضًا. فبينما تؤكد القيادة السورية على الاستعداد للتفاوض بشفافية ووضوح لتجنب النزاعات الجديدة، تظهر إسرائيل تحفظًا ملحوظًا بشأن طبيعة الإدارة السورية الجديدة ومصداقيتها في الالتزام بالاتفاقيات. كما أن التطورات الإقليمية الأخيرة، بما في ذلك النزاعات في غزة والمناطق المحاذية، تزيد من تعقيد الموقف وتضعف الثقة بين الأطراف.


الجانب السوري يسعى إلى إدارة هذه المفاوضات بحذر شديد، معتمدًا على مزيج من المناورات السياسية والدبلوماسية لكسب الوقت وتقليل الضغوط، في انتظار التوصل إلى تفاهمات أو حلول مرحلية. هذا النهج يعكس وعيًا بمخاطر الانزلاق إلى مواجهة مسلحة غير محسوبة، خصوصًا في ظل التوترات المستمرة على الحدود الجنوبية والتوغل الإسرائيلي المتكرر في مناطق مختلفة من المحافظات الجنوبية.


في المقابل، تستخدم إسرائيل أدوات الضغط العسكري والسياسي لإجبار دمشق على قبول شروطها، معتبرة أن الوضع الاستراتيجي يسمح لها بالتحرك بحرية على طول الحدود. إلا أن الواقع على الأرض، بما في ذلك مقاومة السكان المحليين وضرورة الحفاظ على خطوط دفاعية، يحد من قدرة إسرائيل على تحقيق أهدافها دون التفاوض المباشر مع الحكومة السورية.


تظل العقبة الأكبر أمام أي تقدم في المفاوضات هي التباين الجوهري في الرؤى الأمنية والاستراتيجية لكلا الطرفين. فدمشق تعتبر الأراضي الجنوبية جزءًا من سيادتها الوطنية وترفض أي تنازل عنها، في حين ترى إسرائيل أن هذه المناطق تشكل مسألة أمن قومي حيوية تستوجب إجراءات وقائية مستمرة. هذا التعارض يجعل أي اتفاق محتمل هشًا ومحدود المدى، ويستدعي إشرافًا دوليًا يضمن تطبيقه دون الإخلال بالاستقرار الإقليمي.


على الرغم من هذه التحديات، تشير المؤشرات إلى أن الحوار بين الجانبين لم ينقطع بالكامل، وأن هناك استعدادًا محدودًا لمناقشة ترتيبات أمنية مشتركة، لكن تحت شروط صارمة تحفظ حقوق سوريا وسيادتها. المفاوضات مستمرة بحذر شديد، ومع ذلك فإن أي تفاهم طويل الأمد يحتاج إلى توافقات استراتيجية تحمي سوريا من التدخلات العسكرية الإسرائيلية وتضع العلاقة بين البلدين ضمن إطار رسمي حكومي، بعيدًا عن أي وساطات غير رسمية أو تدخلات خارجية.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 1 + 3