تقع قرية الطيرة في الجهة الجنوبية الغربية من مدينة رام الله بالضفة الغربية، وتُعرف أحياناً باسم "طيرة بيت عور" تمييزاً لها عن حي الطيرة القريب من مركز المدينة. يعود تاريخ القرية إلى مئات السنين، إذ يقدّر أن الفلسطينيين سكنوها منذ أكثر من 300 عام، وهي اليوم إحدى القرى التي تواجه ضغوطاً متصاعدة نتيجة التوسع الاستيطاني الإسرائيلي في المنطقة.
موقع استراتيجي ومحاولات حصار
يمتد النسيج العمراني والزراعي للقرية ليشكّل امتداداً طبيعياً مع قرى شمال غرب القدس مثل بيت عنان وبيت دقو، إلا أن هذا التواصل تقلّص بشدة بسبب البؤر الاستيطانية ودوريات الجيش الإسرائيلي المنتشرة في الجبال المحيطة. كما تتأثر القرية بشكل مباشر بمستوطنة "جفعات زئيف" التي تواصل التمدد على أراضيها.
وتطل الطيرة على شارع 443 الاستيطاني الذي يربط القدس بتل أبيب مروراً بمستوطنة موديعين. كان هذا الشارع سابقاً الطريق الرئيسي لسكان القرية والقرى المجاورة، غير أن الاحتلال منع الفلسطينيين من استخدامه منذ عام 2002، وأجبرهم على سلوك طرق بديلة وضيقة عُرفت بمشروع "نسيج الحياة"، وهو مشروع لم ينجح في تخفيف العزلة، بل أدى إلى مشكلات متكررة نتيجة ضعف البنية التحتية وانهيار بعض مقاطع الطرق بفعل الأمطار.
الزراعة تحت التهديد
الاقتصاد المحلي في الطيرة يعتمد بشكل أساسي على الزراعة، إذ يزرع الأهالي التين والعنب والزيتون إضافة إلى الخضروات والفواكه الموسمية. لكن المزارعين يواجهون صعوبة متزايدة في الوصول إلى أراضيهم بسبب المستوطنين الذين أقاموا بؤراً رعوية على تلال القرية. هؤلاء يقومون بترهيب المزارعين عبر التهديد بالسلاح، إدخال الأبقار إلى الأراضي، أو سرقة المحاصيل مباشرة.
في مواسم سابقة كان إنتاج العنب والزيتون يشكل مصدر دخل أساسياً للعائلات، لكن سرقة المحاصيل ومنع الوصول إلى الأراضي جعل مستقبل هذا النشاط الزراعي غير مضمون. ويخشى الأهالي من خسارة محصول الزيتون بشكل كامل في السنوات المقبلة نتيجة القيود المفروضة عليهم.
التعليم والتنقل
تواجه القرية أيضاً إشكالات يومية مرتبطة بالتعليم والتنقل. فطلبة المدارس والأساتذة يضطرون إلى عبور "عبّارات مياه" أسفل شارع 443 للوصول إلى المدرسة الواقعة بجوار مستوطنة بيت حورون، نظراً إلى منعهم من السير على الشارع الرئيسي. هذا الواقع يشكل خطراً أمنياً على الأطفال ويزيد من صعوبة الحركة.
كما أن الطرق الالتفافية التي فُرضت على سكان الطيرة والقرى المجاورة تطيل المسافات وتضاعف المشقة اليومية، وهو ما أدى إلى عزلة اقتصادية واجتماعية عن المدن والبلدات القريبة.
السكان والأراضي
تشير بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني لعام 2017 إلى أن عدد سكان الطيرة بلغ 1504 نسمة، في حين يقدّر عدد المغتربين من أبنائها في الولايات المتحدة وحدها بنحو 3000. وتبلغ المساحة الإجمالية لأراضي القرية حوالي 3971 دونماً، منها 353 دونماً فقط مخصصة للبناء، فيما تقع مساحات واسعة ضمن مناطق مهددة بالمصادرة أو الهدم.
وقد تسلّم عدد من أصحاب البيوت والمنشآت الزراعية في السنوات الماضية إخطارات بالهدم، ما يضع مستقبل عشرات العائلات تحت تهديد دائم.
واقع معقّد ومستقبل غامض
تختصر الطيرة صورة متكررة لما تواجهه القرى الفلسطينية في محيط القدس ورام الله: توسع استيطاني مستمر، طرق مغلقة، أراضٍ مهددة بالمصادرة، وزراعة تواجه خطر الاندثار. وبينما يحاول السكان الحفاظ على صلتهم بأرضهم، تتواصل الإجراءات الإسرائيلية التي تزيد من عزلة القرية وتضيّق على سكانها في حياتهم اليومية.
ورغم ذلك، ما زالت الطيرة صامدة بأهلها، شاهدة على محاولات محو هويتها وتغيير معالمها، لكنها أيضاً دليل على تمسّك الفلسطينيين بأرضهم مهما اشتدت القيود.