عاد الهدوء الحذر إلى مدينة غزة، لاسيما حي الزيتون جنوب شرقي المدينة، بعد ساعات عنيفة من القصف الإسرائيلي والحزام الناري، وسط أعمدة دخان تتصاعد من مناطق متعددة، تعكس حجم الدمار الذي خلفته العمليات العسكرية المستمرة. وفي الوقت الذي تستعد فيه القوات الإسرائيلية لإخلاء آلاف السكان، حذر الصليب الأحمر الدولي من استحالة تنفيذ أي إخلاء جماعي آمن، مما يفتح الباب أمام سيناريوهات كارثية على الصعيد الإنساني.
أعلنت مصادر إسرائيلية أن البنية التحتية باتت جاهزة لتحريك نحو 10 آلاف فلسطيني من سكان المدينة، ضمن خطة إخلاء تثير قلقًا واسعًا لدى المنظمات الإنسانية والدولية. ويأتي هذا التحرك في ظل تصنيف إسرائيل لمدينة غزة "خارج نطاق أي هدنة إنسانية" و"منطقة قتال خطيرة"، في مؤشر على تصعيد محتمل وشامل يهدد حياة المدنيين بشكل مباشر.
وكان وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، قد أقر في 21 أغسطس الجاري خطة "عربات جدعون 2" لاحتلال مدينة غزة بالكامل، بعد أكثر من أسبوعين من العملية العسكرية في حي الزيتون التي امتدت إلى حي الصبرة المجاور. وتعكس هذه الخطوة الإرادة الإسرائيلية لتكثيف الضغوط على السكان، مع تجاهل شبه كامل للمعايير الإنسانية الدولية.
في المقابل، شددت اللجنة الدولية للصليب الأحمر على أن أي إخلاء جماعي تحت هذه الظروف "مستحيل"، محذرة من كارثة وشيكة قد تشمل تفاقم المجاعة، انتشار الأمراض، وانهيار البنية التحتية الصحية والتعليمية، ما يجعل القطاع الفلسطيني أمام أزمة إنسانية غير مسبوقة.
تتجاوز الأزمة الإنسانية مجرد أرقام الضحايا والمصابين، لتصبح اختبارًا للمجتمع الدولي ومؤسساته أمام مسئولياته الأخلاقية والقانونية. فالتهجير القسري للسكان في ظل القصف المكثف يضع الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان أمام تساؤل حقيقي: هل ستكتفي بالتنديد، أم ستضغط فعليًا لوقف الانتهاكات؟
كما تحمل هذه الخطوة أبعادًا سياسية واستراتيجية، إذ تعكس إسرائيل تصميمها على السيطرة الكاملة على مناطق مكتظة بالسكان، مما قد يؤدي إلى تفاقم الصراعات الداخلية ورفع سقف المواجهة مع المقاومة الفلسطينية، في وقت تتصاعد فيه الضغوط الدولية على تل أبيب بسبب الانتهاكات الإنسانية.
غزة اليوم تواجه اختبارًا مزدوجًا: البقاء تحت القصف والإجراءات العسكرية الإسرائيلية، في الوقت الذي يكافح فيه المدنيون للبقاء على قيد الحياة وسط تردي الأوضاع الإنسانية. والتحذيرات الدولية من كارثة وشيكة تجعل من قطاع غزة مسرحًا إنسانيًا وسياسيًا على حد سواء، يعكس فشل المجتمع الدولي في فرض حماية حقيقية على المدنيين، ويعيد فتح النقاش حول الدور الفعلي للمنظمات الإنسانية في أوقات الحروب.