أثارت دعوة المستشار الإعلامي للرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد موفق زيدان، جماعة "الإخوان المسلمين" في سوريا لحل نفسها، جدلاً واسعًا داخل الأوساط السياسية والدينية في البلاد. جاء ذلك بهدف إدماج كوادر الجماعة في العمل الحكومي والاستفادة من خبراتهم في بناء الدولة، وفق ما أكد زيدان في مقالة رأي نشرها مؤخراً.
وأشار المستشار إلى أن هذه الدعوة نابعة من قناعته الشخصية وليست من موقعه الرسمي، وأنها ترتكز على دراسات ومقاربات مقارنة بالتجارب الدولية والإقليمية لأحزاب وجماعات إسلامية مشابهة، تحولت بعضها إلى أحزاب سياسية بعد حل نفسها، مثل بعض فروع الإخوان في المغرب العربي. واعتبر زيدان أن الجماعات التي تلتزم بأدوات تفكير قديمة تواجه صعوبة في مواكبة التحولات الإقليمية والدولية، وأن استمرارها دون تجديد يعيق مشاركتها في العمل الوطني.
ردود الجماعة وأعضائها السابقين
لم تصدر جماعة "الإخوان المسلمين" أي رد رسمي على مقال زيدان، لكن قيادات سابقة وأعضاء مقربون أبدوا مواقفهم. فقد أكّد عضو المكتب السياسي، سمير أبو اللبن، أن ما كتبه زيدان يعبر عن موقفه الشخصي وليس الرسمي للجماعة، وأنها عادة لا ترد على الكتابات الشخصية إلا عندما تكون تصريحات رسمية.
وفي مقال آخر، أوضح القيادي السابق زهير سالم أن الجماعة ليست حزبًا سياسيًا تقليديًا، بل حركة مجتمع ديني دعوي، وأن السياسة جزء من الدين لا تجعلها حزبًا سياسياً قائمًا. كما اعتبر أن وصف الجماعة بأنها مجرد تنظيم سياسي هو ظلم لمكانتها التاريخية والاجتماعية في سوريا.
كما أعاد الكاتب والمحلل السياسي المقرب من الجماعة، ياسر سعد الدين، التأكيد على أهمية مشاركة جميع القوى الإسلامية والوطنية في بناء سوريا، محذرًا من استغلال دعوة زيدان لتهميش مكونات الشعب المختلفة. وأشار إلى أن ما يحدث من إخفاقات في العمل السياسي يعود جزئيًا إلى تركيز السلطات وعدم وجود آليات للمساءلة والمحاسبة.
التجارب السابقة والحل كخيار
أكد زيدان أن حل الجماعة يمكن أن يمثل مخرجًا استراتيجيًا للاستفادة من كوادرها في دعم الدولة السورية الجديدة، مشيراً إلى أن الفروع الإقليمية للإخوان التي حلّت نفسها في بعض البلدان العربية استفادت من التجربة السياسية وأصبحت فاعلة في الحكومة، على غرار حزب العدالة والتنمية في المغرب العربي.
ويرى الباحث عبد الرحمن الحاج أن تمسك الجماعة بالبقاء يرجع إلى ظروف إقليمية وضغوط خارجية، لكنه أضاف أن الحل سيظل أفضل خيار على المدى البعيد إذا أرادت الجماعة الاستفادة من المرحلة الانتقالية والمشاركة الفعالة في بناء الدولة. وأوضح أن تمسك الجماعة بالهيكل التنظيمي الحالي يخلق فجوة بين الشباب والقيادات، ويحد من مشاركتهم في العمل السياسي والدعوي بعد غياب طويل خلال النظام السابق.
التاريخ والموقف الحالي
نشأت جماعة "الإخوان المسلمين" في سوريا عام 1945 على يد مصطفى السباعي، ومرت بتجارب قاسية خلال حكم حافظ الأسد، بما في ذلك أحداث الثمانينيات في حماة وحلب. وبعد فترة طويلة من الغياب، عاد أبرز قياداتها الحاليين إلى سوريا لدعم الحكومة الجديدة، مع تأكيد الجماعة على ضرورة المشاركة في بناء الدولة المدنية الحديثة على أساس مواطنة كاملة وتعددية سياسية، ورفض الانقسام أو تقسيم البلاد.
الخلاصة
تدور جدلية حل جماعة "الإخوان المسلمين" في سوريا حول مصلحة الدولة والشارع، بين دعوات للاستفادة من خبرات الجماعة ومخاوف من استمرار هياكل تنظيمية قديمة تعيق الانخراط الكامل في الحياة السياسية. ويبدو أن المرحلة المقبلة ستحدد ما إذا كانت الجماعة ستختار حل نفسها أو الاستمرار في نمطها الحالي، في وقت يتطلع فيه المجتمع السوري إلى مشاركة جميع القوى الفاعلة لبناء دولة مستقرة ومتقدمة.