​"لا حل إلا بالتصعيد".. هل هذا ما يخبئه المستقبل للمأزق اللبناني؟

أماني إبراهيم/ وكالة أنباء آسيا

2025.08.30 - 09:12
Facebook Share
طباعة

دخل لبنان مجدداً في قلب أزمة سياسية وأمنية معقدة بعدما اصطدمت جهود حكومته لنزع سلاح حزب الله بعقبة الرفض الإسرائيلي وغياب الضمانات الدولية. فزيارة المبعوث الأميركي توم براك إلى بيروت، التي رُوّج لها بوصفها محطة مفصلية قد تفتح الباب أمام تفاهمات "خطوة مقابل خطوة"، انتهت إلى خيبة أمل واضحة لدى المسؤولين اللبنانيين الذين كانوا يتوقعون التزامات إسرائيلية بالانسحاب من التلال الخمس ووقف الغارات شبه اليومية.

النتيجة المباشرة أن المفاوضات "تراوح مكانها" بحسب توصيف رئيس الوزراء نواف سلام، فيما حذّر رئيس البرلمان نبيه بري من أن الأميركيين جاؤوا "بعكس ما وعدوا به"، الأمر الذي أعاد الملف برمته إلى دائرة الانسداد.

القرار الذي اتخذه مجلس الوزراء في الخامس من أغسطس بتكليف الجيش وضع خطة عملية لحصر السلاح بيد الدولة مثّل تحركاً جريئاً في نظر بعض القوى الداخلية والخارجية، لكنه في الواقع يطرح أسئلة كبيرة حول القدرة على التنفيذ. فالجيش اللبناني، رغم تحسّن بنيته التنظيمية وتزايد الدعم الدولي له، يظل محدود الإمكانات من حيث العتاد والقدرات اللوجستية والاستخباراتية، ولا سيما عند الحديث عن مواجهة تنظيم عسكري بحجم حزب الله يمتلك ترسانة صاروخية متطورة وبنية لوجستية موزعة داخل مناطق مدنية مأهولة. وبينما تسعى قيادة الجيش إلى صياغة خطة "واقعية" تجنب البلاد مواجهة مباشرة، تظل الضغوط الأميركية والإصرار الحكومي على تنفيذها قبل نهاية العام عنصرَي ضغط لا يمكن تجاهلهما.

من جهته، رفض حزب الله القرار الحكومي رفضاً قاطعاً، معتبراً أنه يدخل لبنان في مواجهة داخلية خطيرة. الحزب يرى أن سلاحه ليس مجرد قوة عسكرية بل يمثل ركيزة سياسية وأداة ردع إقليمية ضد إسرائيل، وبالتالي لا يمكن التخلي عنه دون ثمن استراتيجي واضح. شروط الحزب واضحة: انسحاب إسرائيلي من الأراضي اللبنانية المتنازع عليها، إطلاق الأسرى اللبنانيين، ووقف الضربات الجوية المستمرة. بالنسبة له، أي محاولة لانتزاع السلاح بالقوة تعني استهدافاً مباشراً لدوره ومكانته، وهو ما قد يفتح الباب أمام صدام واسع يهدد الاستقرار الهش الذي يعيشه لبنان منذ سنوات.

الوفد الأميركي برئاسة توم براك جاء ليؤكد على مطلب واشنطن بضرورة ترجمة تعهدات لبنان إلى أفعال. نائبة المبعوث، مورغان أورتاغوس، شددت بوضوح على أن الولايات المتحدة تنتظر من الحكومة اللبنانية تنفيذ خطتها على الأرض، مشيرة إلى أن إسرائيل سترد بالمثل فقط عندما ترى خطوات عملية. هذه المقاربة، التي تعني عملياً فرض معادلة "نزع السلاح أولاً، ثم التفاوض لاحقاً"، فُسرت في بيروت على أنها انحياز كامل لإسرائيل، وهو ما ولّد إحباطاً لدى المسؤولين الذين كانوا يراهنون على إقناع الأميركيين بالضغط على تل أبيب لتقديم ضمانات متلازمة.

إسرائيل، من جانبها، حافظت على موقف متصلب يقوم على رفض مبدأ "خطوة مقابل خطوة". تل أبيب تعتبر أن أي انسحاب من الجنوب أو تخفيف للعمليات العسكرية يجب أن يُسبَق بنزع قدرات حزب الله الصاروخية ووقف نشاطه العسكري. هذا الشرط يجعل المفاوضات عملياً غير قابلة للتقدم، إذ يضع الحكومة اللبنانية بين خيارين أحلاهما مر: إما الدخول في مواجهة مباشرة مع الحزب لتجريد سلاحه دون مقابل، أو القبول باستمرار الوضع الراهن مع ما يحمله من ضربات إسرائيلية وضغوط دولية.

في خلفية المشهد، تقف إيران كلاعب رئيسي يسند موقف حزب الله ويعتبر سلاحه خط دفاع متقدم عن النفوذ الإيراني في المشرق. طهران تدرك أن أي مسار يؤدي إلى نزع سلاح الحزب يعني إضعافاً مباشراً لدورها في المنطقة، ولذلك ترفض أي ضغوط دولية على حليفها الأساسي في لبنان. هذه المعادلة تجعل الملف اللبناني جزءاً من صراع أوسع بين واشنطن وطهران، حيث يتحول السلاح إلى ورقة تفاوض إقليمي لا يمكن حسمها ضمن الإطار المحلي فقط.

الأمم المتحدة، عبر قوات "اليونيفيل"، تتابع الوضع بقلق. فبعد الحرب الأخيرة برزت دعوات دولية لإعادة تقييم دور القوات الدولية وربما تقليصه أو إنهائه تدريجياً. لكن ذلك مرتبط بقدرة الدولة اللبنانية على فرض سيادتها الكاملة. حتى الآن، لا توجد مؤشرات إلى أن الخطة الحكومية ستُنفّذ بما يكفي لإقناع المجتمع الدولي بأن لبنان قادر على تحمل العبء الأمني وحده.

من الطائف إلى حرب 2024

قضية سلاح حزب الله ليست جديدة على الساحة اللبنانية. منذ اتفاق الطائف عام 1989 الذي نص على حل الميليشيات، استُثني الحزب تحت عنوان "المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي". ومع انسحاب الجيش الإسرائيلي من الجنوب عام 2000، ازداد حضور الحزب السياسي والعسكري، ثم جاءت حرب يوليو 2006 لتثبّت مكانته كلاعب إقليمي مسلح. لاحقاً، أدت مشاركته في الحرب السورية إلى توسيع دوره العسكري وربطه أكثر بمحور إيران. وأخيراً، جاءت حرب نوفمبر 2024 بين إسرائيل وحزب الله لتعيد ملف السلاح إلى الواجهة الدولية بشكل أكثر إلحاحاً، مع دخول الولايات المتحدة بثقل أكبر لفرض خطة شاملة لنزع السلاح.

السيناريوهات المحتملة

. السيناريو الأفضل (تفاهم متدرج): اتفاق على صيغة "خطوة مقابل خطوة"، تتضمن انسحاباً إسرائيلياً جزئياً مقابل تجميد بعض قدرات الحزب أو دمجها تدريجياً في الدولة، بإشراف أممي ودعم مالي للبنان. هذا السيناريو ضعيف الاحتمال في ظل تصلب المواقف.

. السيناريو الأسوأ (تصعيد شامل): مواجهة مباشرة بين الجيش وحزب الله بدعم أميركي-إسرائيلي، ما يؤدي إلى انفجار داخلي واسع وضربات إسرائيلية مكثفة. تداعياته ستكون كارثية على لبنان سياسياً واقتصادياً وإنسانياً.

. السيناريو المرجح (مراوحة سياسية): استمرار الوضع الراهن مع مفاوضات عقيمة، خطوات حكومية شكلية، وضربات إسرائيلية متقطعة. هذا السيناريو يبدو الأكثر واقعية في المدى القصير، خاصة مع الانقسام الداخلي اللبناني وتعقيدات الإقليم.

المعادلة اللبنانية اليوم أكثر تعقيداً من أي وقت مضى: حكومة تسعى لاسترضاء المجتمع الدولي عبر خطة طموحة لكنها محدودة القدرة، حزب الله الذي يرى في سلاحه ضمانة وجودية ويرفض التنازل دون ثمن استراتيجي، وإسرائيل التي تشترط نزع السلاح قبل أي انسحاب. في الخلفية، إيران وأميركا تتحركان ضمن حسابات أوسع من لبنان ذاته.

النتيجة أن أي خطوة أحادية ستدفع البلاد إلى حافة الانفجار، فيما يبقى الحل الواقعي هو التدرج الذكي المدعوم بضمانات دولية واضحة ومكاسب ملموسة للبنانيين. وحتى إشعار آخر، يبدو أن "المراوحة" هي العنوان الأكثر دقة للمرحلة المقبلة. 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 1 + 5