قراءة استراتيجية في انهيار أخطر شبكة تجسس إسرائيلية جنوب سوريا

رزان الحاج

2025.08.29 - 12:11
Facebook Share
طباعة

 ما جرى على سفوح جبل المانع جنوب دمشق لم يكن مجرد عملية استخباراتية عابرة، بل تحوّل إلى حدث استراتيجي يعيد رسم معادلات الأمن والاستخبارات في المشرق.
فمنذ أشهر، رصدت الاستخبارات التركية شبكة تجسس متكاملة تابعة للكيان الصهيوني، تعمل كغرفة عمليات متقدمة للإنذار المبكر والتوجيه الاستخباراتي، ومتصلة بخلايا نائمة في العمق السوري.

 

المعادلة الاستخباراتية: لماذا لم تُكشف فوراً؟

القرار السوري – التركي لم يكن بتفكيك الشبكة مباشرة، بل إدارتها.
هذا الخيار يعكس إدراكاً عميقاً لطبيعة الصراع مع الكيان: الحرب ليست فقط مواجهة عسكرية، بل معركة عقول، حيث تصبح الشبكات الاستخباراتية أدوات تضليل إذا أُحسن التعامل معها.

تم الإبقاء على الشبكة نشطة، لكن ما تنقله كان معلومات مضللة ومدروسة.

تدريبات الجيش السوري على مضادات الدبابات استُخدمت كغطاء لتغذية الشبكة بمشاهد "طبيعية" تخفي وراءها الفخ.

الهدف لم يكن فقط إيقاع العدو في الوهم، بل اختبار رد فعله عند لحظة كشف الخلل.


إسرائيل في فخ الوعي

حين اكتشفت تل أبيب أن البيانات لا تتطابق مع الواقع الميداني، أدركت أن شبكتها أصبحت تحت السيطرة المعاكسة.
ردّها الهستيري، عبر 16 غارة متواصلة وإنزال جوي قرب تل المانع، لم يكن مجرد عملية إنقاذ، بل تعبيراً عن صدمة استخباراتية عميقة.

لكن الأهم: الأجهزة لم تُستعد، بل أُحرقت أو استُبدلت بأخرى مصممة لتتحول إلى "مصيدة معكوسة". هنا تتجلى خطورة المشهد؛ فإسرائيل لم تخسر فقط معدات، بل فقدت الثقة في شبكاتها جنوب سوريا بالكامل.

 

الخسارة الاستراتيجية للكيان

يمكن تلخيص الخسائر الإسرائيلية في ثلاثة مستويات:

1. المستوى الاستخباراتي: انهيار أهم شبكة تجسس في الجنوب، مع احتمال سيطرة دمشق وأنقرة على بعضها.


2. المستوى النفسي – المعنوي: ضربة لهيبة "الذراع الطويلة" التي تسوّقها إسرائيل أمام جمهورها وحلفائها.


3. المستوى الاستراتيجي: ارتباك في معركة الوعي، إذ بات العدو يشكك في كل ما تبثه شاشاته من معطيات ميدانية.

 

 

البعد التركي – السوري

توقيت العملية وطريقة إدارتها يبرزان بعداً جديداً في التوازنات الإقليمية:

تركيا لم تكتفِ بكشف الشبكة، بل نسّقت مع دمشق لإدارتها بذكاء.

الرسالة لأنقرة واضحة: يمكنها الدخول في قلب الصراع مع الكيان، لكن عبر أدوات استخباراتية غير مباشرة.

بالنسبة لدمشق، فهي رسالة مضاعفة: لا تزال قادرة على قلب الطاولة في لعبة كان العدو يظن أنه المتفوق فيها.


الرواية الإسرائيلية: اعتراف بالهزيمة

محاولة إسرائيل تبرير العملية عبر تصريحات مسؤول أمني تكشف حجم الارتباك:

الحديث عن "معدات خطيرة" و"أجهزة منذ أكثر من 10 سنوات" يعكس قلقاً من أن يكون جزء كبير من منظومتها قد أصبح تحت المراقبة.

الاتهامات لتركيا بزرع أجهزة تجسس تعكس خشية حقيقية من دخول أنقرة كفاعل مباشر في لعبة الوعي والاستخبارات ضدها.

التحذير لدمشق من "اختبار الصبر الإسرائيلي" يكشف ضعفاً أكثر مما يُظهر قوة، لأنه يأتي في لحظة انكشاف استراتيجي.

 


الرسالة العميقة

العملية لم تكن مجرد "كشف شبكة"، بل إعادة تعريف معادلة الصراع:

إسرائيل لم تعد الطرف الوحيد الذي يملك "عيناً في الميدان".

قدرة دمشق وأنقرة على تحويل شبكة العدو إلى فخ، يعني أن الاستخبارات الإسرائيلية لم تعد موثوقة حتى داخل منظومتها.

هذا يفتح الباب أمام مرحلة جديدة: حيث لم يعد الأمن الإسرائيلي قائماً على "القدرة على الرؤية"، بل على الخوف من أن ما يُرى قد يكون خدعة أخرى.

 

 

---

الخلاصة

انهيار شبكة جبل المانع هو ضربة استراتيجية مزدوجة:

عملياً: تدمير أخطر منظومة تجسس إسرائيلية في الجنوب.

معنوياً: إدخال العدو في حالة ارتباك استراتيجي لم يعرفها منذ عقود.


اليوم يقف الكيان أمام سؤال وجودي في معركة العقول:
هل يثق بشاشاته وأجهزته؟ أم بخوفه من أن تكون كل صورة مجرد فخ جديد؟

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 6 + 1