تصاعد العمليات العسكرية في غزة في الأيام الأخيرة لا يمكن فهمه بمعزل عن السياق السياسي الداخلي لكلا الطرفين، وكذلك التحولات الإقليمية والدولية المحيطة بالصراع.
في إسرائيل، تبدو الحكومة الحالية متأثرة بضغط سياسي داخلي كبير، حيث يربط المراقبون بين استمرار العمليات العسكرية ومحاولة تثبيت القوة السياسية للحكومة.
هذا الواقع يعكس توجهاً يستخدم الحرب ليس فقط كوسيلة للرد على هجمات حماس، بل كأداة لاحتواء الانتقادات الداخلية وتعزيز قاعدة الدعم الشعبي، ما يؤدي إلى تمديد أمد النزاع وتوسيع رقعة العمليات، بما يفاقم الأزمة الإنسانية في القطاع.
على الجانب الآخر، استطاعت حركة حماس أن تحافظ على مستوى من الصمود العسكري والسياسي، رغم الخسائر الميدانية.
قبول الحركة لمقترح وقف إطلاق النار الأخير يُقرأ في بعض التحليلات كحيلة استراتيجية لإعادة ترتيب أوراقها داخليًا وخارجيًا، وليس علامة على ضعف، هذا السلوك يعكس تحولًا في نهجها العسكري والسياسي، حيث أصبحت أكثر قدرة على الموازنة بين الضغوط الدولية وحماية مصالحها، مع إبقاء القدرة على شن هجمات متكررة وفاعلة داخل القطاع وفي محيطه.
المشهد الدولي يظهر كذلك تحولًا ملحوظًا في المزاج تجاه الصراع.
في الولايات المتحدة، بدأت بعض الأطراف السياسية، خصوصًا داخل الحزب الديمقراطي، إعادة تقييم دعمها التقليدي لإسرائيل، بما يشمل مبيعات الأسلحة والعلاقات السياسية التقليدية.
هذا التغير ينبع جزئيًا من تزايد الانتقادات الشعبية والسياسية على استمرار الحرب، وهو مؤشر على أن دعم إسرائيل لم يعد أمرًا تلقائيًا، بل أصبح مسؤولية سياسية قابلة للنقاش والمحاسبة.
أيضًا، في الأوساط الاقتصادية والشركات الكبرى، يظهر توتر داخلي متزايد نتيجة الشبهات حول تعاون بعض الشركات مع إسرائيل في العمليات العسكرية، ما خلق جوًا من الاستياء الداخلي دفع الإدارة إلى مراقبة النقاشات والتعليقات بشكل مكثف.
هذا يعكس أن الصراع لم يعد مقتصرًا على حدود غزة، بل أصبح قضية حساسة تؤثر على المشهد السياسي والاقتصادي الدولي.
في المحصلة، التصعيد الأخير هو نتيجة تفاعل معقد بين سياسات الداخل الإسرائيلي، صمود حماس، والتحولات الدولية، ما يجعل الحرب أكثر تعقيدًا من كونها مجرد مواجهات عسكرية.
استمرار النزاع يرفع منسوب المعاناة الإنسانية ويزيد المخاطر السياسية والإقليمية، ويضع المجتمع الدولي أمام اختبار حقيقي لقدرة مؤسساته على التفاعل مع الأزمات الكبرى.