في ظلّ استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة وتداعياته الإقليمية، تتوالى المبادرات التي تعكس حجم المأزق الإنساني والسياسي في آن واحد. فبعد الموقف المصري الرافض لتحويل سيناء إلى موطن بديل للفلسطينيين، دخلت تركيا على خطّ الأزمة بطرح مبادرة مثيرة للجدل تسعى لإيجاد ملاذ بديل لسكان القطاع.
تركيا ومقاربة "الواقعية"
تنطلق أنقرة من قناعة مفادها أن الحرب الجارية ليست مواجهة عابرة بين الفلسطينيين وإسرائيل، بل حرب أميركية عالمية تستهدف الفلسطينيين والسوريين واللبنانيين معًا. وبحسب هذا المنطق، فإن الرهان على توقف إسرائيل عن القتال غير واقعي، خصوصًا مع وقوف واشنطن خلفها. لذا، ترى أن المكابرة قد لا تجدي نفعًا، وأن الأولوية يجب أن تكون لإنقاذ الأرواح عبر البحث عن حلول بديلة.
مشروع "نيو غزة" في ليبيا
في هذا السياق، توجّه المتحدث السابق باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالن وهو الان مدير ال MIT إلى ليبيا، حيث عرض على الجنرال خليفة حفتر مبادرة تقوم على استقبال مليون فلسطيني موزعين بين الشرق والغرب الليبي، مع بناء مدينة جديدة باسم "نيو غزة" على شاطئ البحر، بتمويل عربي وإشراف مؤسسة خيرية تركية. ولإغراء حفتر، وعدت أنقرة بالعمل مع واشنطن لتمكينه من السيطرة على عوائد النفط الليبي.
الموقف المصري والليبي
رفضت القاهرة في وقت سابق أي سيناريو لتهجير سكان غزة إلى سيناء، معتبرة أن ذلك يمثّل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي المصري ومحاولة لتصفية القضية الفلسطينية. وعلى الخط نفسه، جاء ردّ الجنرال حفتر حاسمًا؛ إذ أكد أنه قد يرحّب بأي فلسطيني يختار المجيء إلى ليبيا طوعًا، لكنه شدّد على أن تهجير أهل غزة بالقوة هو "جريمة" لن يشارك فيها.
بين الواقعية والرفض
المفارقة تكمن في تباين المقاربات: تركيا تطرح حلاً "واقعياً" يركّز على إنقاذ الأرواح، بينما مصر وحفتر يتعاملان مع القضية من زاوية مبدئية ترى في التهجير القسري تهديدًا للحقوق الوطنية الفلسطينية. هذا التباين يبرز مأزقًا إقليميًا أعمق: هل يمكن إيجاد حلول إنسانية تحفظ حياة الفلسطينيين من دون أن تتحول إلى أداة لتصفية قضيتهم التاريخية؟