دخل لبنان مرحلة ترقّب جديدة، في أعقاب ما وُصف بـ«الانتكاسة التفاوضية» للوساطة الأميركية مع إسرائيل، بعد فشل المفاوضين الأميركيين في الحصول على أي تعهّدات واضحة تسهّل الإجراءات اللبنانية الهادفة إلى نزع سلاح حزب الله. هذا الفشل يأتي في وقت أُعيد فيه الموفد الأميركي، توم براك، ونائبته لشؤون الشرق الأوسط مورغان أورتاغوس، إلى إسرائيل برفقة عضو الكونغرس الأميركي ليندسي غراهام لإجراء المزيد من الاتصالات، في أعقاب ردود الفعل اللبنانية على مطالبة إسرائيل بسحب سلاح الحزب قبل أي خطوات مقابلة.
إحباط رسمي لبناني
أبدى رئيس البرلمان اللبناني، نبيه بري، إحباطه العميق من نتائج زيارة الوفد الأميركي، مؤكدًا أن الأميركيين "أتونا بعكس ما وعدونا به". تصريحات بري جاءت في سياق إحباط متكرر من سياسة "الخطوة مقابل الخطوة" التي طالما أُشير إليها في التصريحات الرسمية للوفد الأميركي، لكن مواقف أعضاء الوفد جاءت معاكسة، إذ ركزت على خطوة سحب سلاح حزب الله قبل أي التزام إسرائيلي بشأن الانسحاب من الأراضي اللبنانية ووقف الاعتداءات المتكررة.
وأوضح بري أن الأمور ليست سهلة، وأن أي خطوة حكومية قد تؤدي إلى خلافات داخلية «مستنكرة»، في إشارة واضحة إلى المخاطر المرتبطة بمحاولة فرض حلول خارج السياق السياسي والاجتماعي اللبناني.
الحكومة والجيش اللبناني بين خيارين
مصدر لبناني واسع الاطلاع أوضح أن جلسة الحكومة اللبنانية المقررة يوم الثلاثاء المقبل لم تُلغَ بعد، لكنها قد تتأجل إذا تعقد الوضع داخليًا. وأضاف المصدر أن هناك اتصالات مكثفة تهدف لإعادة الحوار مع الأميركيين وحلفاء لبنان الإقليميين والدوليين، لتشكيل خريطة طريق تخرج البلاد من عنق الزجاجة.
في الوقت نفسه، يُواصل الجيش اللبناني تجهيزاته لمهام حساسة ضمن خطة نزع السلاح، وسط مخاوف من مواجهة محتملة مع عناصر حزب الله، أو تصعيد أمني نتيجة الاحتجاجات الشعبية المتصاعدة في الجنوب.
موقف «حزب الله» وتحذيرات من الفتنة
في أول رد رسمي، اعتبر المعاون السياسي للأمين العام للحزب، حسين الخليل، أن الإدارة الأميركية تسعى إلى "القضاء على مقوّمات الصمود اللبنانية وتحويل البلاد إلى مستعمرة أميركية – إسرائيلية"، محذرًا من أن أي محاولة لدفع الجيش اللبناني لمواجهة المقاومة تهدف إلى هدم ركائز أساسية، هي الجيش والمقاومة نفسها.
وأشار الخليل إلى أن هذا التوجه قد يقود لبنان إلى حرب أهلية، مؤكداً على أهمية إعادة النظر في السياسات الرسمية تجاه الوساطات الدولية، وحماية الجيش اللبناني من أي استغلال سياسي قد يُهدد الاستقرار الداخلي.
احتجاجات في الجنوب ورفض شعبي
على الأرض، ألغى الموفد الأميركي زيارة كانت مقررة للحدود اللبنانية الجنوبية بعد احتجاجات واسعة في بلدات مرجعيون والخيام، حيث رفع المتظاهرون أعلام حزب الله وصور شهدائه، وكتبوا شعارات مثل "أميركا الشيطان الأكبر" و"براك حيوان"، اعتراضًا على ما وصفوه بـ«السياسات المنحازة» للولايات المتحدة.
في الوقت نفسه، واصلت إسرائيل الانتهاكات في جنوب لبنان، حيث دوّى انفجار قوي فجراً في بلدة كفركلا نتيجة عملية نفذها الجيش الإسرائيلي، فيما ألقت طائرات إسرائيلية منشورات تهديدية فوق بلدات العديسة وكفركلا، محذرة المواطنين من القرب من عناصر الحزب.
تظهر هذه التطورات التباين الواضح بين المصالح الأميركية والإسرائيلية من جهة، والموقف اللبناني الرسمي وشعبية المقاومة من جهة أخرى. فالولايات المتحدة وإسرائيل تسعيان إلى فرض سياسة «خطوة مقابل خطوة» لتقييد دور المقاومة، بينما لبنان يرفض أي تنازلات أحادية دون ضمانات مقابلة.
تصاعد الاحتجاجات الشعبية في الجنوب يعكس مخاطر تصعيدية محتملة قد تؤثر على الاستقرار الداخلي، ويؤكد أن أي مسعى لإخضاع المقاومة أو الجيش اللبناني سيقابل بمقاومة سياسية وشعبية قوية.
قضية سلاح حزب الله تُعد من أكثر الملفات حساسية في لبنان منذ اتفاق الطائف، حيث يشكّل الحزب قوة مسلحة محورية، بينما يسعى المجتمع الدولي، بقيادة واشنطن، للسيطرة على هذا السلاح بحجة الحفاظ على الأمن الإقليمي. الصراع بين الدولة اللبنانية والمقاومة المسلحة يعكس انقسامات سياسية عميقة، ويزيد من صعوبة التوصل إلى حلول توافقية دون معالجة شاملة للتوازنات الداخلية والخارجية.