تزامنت احتجاجات سورية – لبنانية أمس الأربعاء مع التحضيرات لمباحثات مرتقبة في بيروت حول ملف المعتقلين السوريين في لبنان، لتلقي الضوء على أزمة مستمرة منذ سنوات، تكشف هشاشة التنسيق بين الدولة السورية ونظيراتها اللبنانية، ومعاناة آلاف الأسر المنتظرة لحظة الإفراج عن أبنائها.
في ريف حمص، تجمع عشرات من أهالي المعتقلين السوريين عند معبر جوسية الحدودي، حاملين لافتات تطالب بالكشف عن مصير أبنائهم، ومرددين هتافات تدعو السلطات اللبنانية إلى التدخل العاجل وإغلاق ملف المعتقلين. في الوقت نفسه، شهد محيط سجن رومية في لبنان اعتصامًا مشابهًا بدعوة من أهالي الموقوفين هناك، تحت شعار: “أطلقوا سراح الثورة السورية وأنصارها”، في إشارة إلى الضحايا المحتجزين بسبب مواقفهم السياسية أو انتماءاتهم السابقة.
تأتي هذه التحركات بالتزامن مع زيارة مرتقبة لوفد أمني – قضائي سوري إلى بيروت، حيث من المتوقع أن يجري الوفد لقاءات مع رئيس الحكومة اللبنانية ومسؤولين في وزارتي الداخلية والعدل، بالإضافة إلى اجتماعات مع قيادات الأجهزة الأمنية والمخابراتية، لبحث سبل تسوية ملف الموقوفين السوريين العالق منذ سنوات. هذه الخطوة، بحسب مصادر سورية، تهدف إلى فتح الباب أمام حلول عملية لنقل الموقوفين إلى الأراضي السورية، وضمان محاكمتهم وفق القانون السوري.
في السياق نفسه، جدّد “المرصد اللبناني لحقوق السجناء” دعوته للسلطات اللبنانية لاتخاذ إجراءات عاجلة استثنائية لمعالجة أزمة الموقوفين، محذراً من أن أوضاع السجون وصلت إلى مستويات كارثية على جميع الأصعدة، بما في ذلك الرعاية الطبية والغذائية والاكتظاظ الشديد. وأكد المرصد ضرورة اتخاذ خطوات لا تتعارض مع مبادئ السلم الأهلي، مع الحفاظ على روح العدالة وحقوق الضحايا.
وعبر 1700 سجين سوري محتجز في سجن رومية وسجون لبنانية أخرى عن مناشدتهم المباشرة للرئيس السوري أحمد الشرع، مطالبين بالتدخل الفوري لإنهاء معاناتهم، مؤكدين أن معظمهم ليسوا مجرمين، بل ضحايا توقيفات عشوائية مرتبطة باللجوء أو بمواقفهم السياسية السابقة. وطالب السجناء الحكومة السورية بضمان نقلهم إلى الأراضي السورية لمحاكمتهم أمام القضاء الوطني، ما يمثل محاولة لإعادة الحقوق المغيبة ووقف مسلسل الانتهاكات.
تكتسب هذه القضية أهمية خاصة في ضوء التحضيرات السياسية الراهنة، إذ تعتبر دمشق إطلاق سراح المعتقلين أو نقلهم خطوة تأسيسية لإعادة بناء الثقة بين الأطراف، وضمان قدرة الدولة على فرض سيادتها وحماية حقوق مواطنيها خارج حدودها. كما يبرز الملف توتر العلاقات اللبنانية – السورية، وحاجة الأجهزة المعنية إلى تنسيق فوري لتجنب أي تصعيد أو تفاقم الوضع الإنساني في السجون.
وبالنظر إلى الوقفات الاحتجاجية المتزامنة بين سوريا ولبنان، يبدو أن صرخات الأهالي وأصوات المعتقلين وصلت إلى نقطة حرجة، تعكس الغضب من تراكم سنوات المعاناة، وتؤكد ضرورة تدخل عاجل من السلطات اللبنانية والسورية على حد سواء، لضمان الحقوق الإنسانية، وإنهاء مأساة ما زال ضحاياها يراوحون خلف القضبان، بلا أفق واضح للحرية أو العدالة.
في نهاية المطاف، يمثل هذا الملف اختبارًا دقيقًا لإرادة الدولة السورية وقدرتها على حماية مواطنيها في الخارج، وإعادة ترتيب علاقاتها مع بيروت بما يحقق العدالة، ويوقف مسلسل الانتهاكات المستمرة، ويضع نهاية لمعاناة آلاف الأسر السورية المنتظرة منذ سنوات.