في خطوة أثارت جدلاً واسعاً، أصدر المجلس السياسي لوسط وغرب سوريا بياناً دعا فيه إلى اعتماد النظام الفدرالي كصيغة حكم في مناطق الساحل السوري وشمال غربه. وقد أثار البيان تحذيرات دمشق، التي ترى في هذه التحركات محاولات لتقسيم الدولة وتشتيت السلطة المركزية، معتبرة أن أي نظام فيدرالي يُطبّق بشكل منفرد يشكل مخاطر انفصالية تهدد وحدة الأراضي السورية.
مضمون البيان وطموحات المجلس
طالب البيان باعتماد الفيدرالية لتحقيق ما وصفه المجلس بـ"السلام الأهلي والعدالة بين الأقاليم"، مع المشاركة الفاعلة للمواطنين في إدارة شؤونهم، مشيراً إلى أن هذا النظام سيكون الحل للنزاعات الداخلية التي فشلت الدولة المركزية في حلها. كما شدد المجلس على أن الإقليم المقترح يضم محافظات اللاذقية وطرطوس وحمص وأجزاء من ريف حماة، وأن الحكم فيه سيكون مدنياً وعلمانياً، مع مراعاة التعددية السياسية والاجتماعية وفق القوانين والمواثيق الدولية.
كما أضاف البيان أن المجلس يلتزم بقرار مجلس الأمن 2254، بما يشمل تشكيل هيئة حكم انتقالية خلال 18 شهراً، وصياغة دستور جديد، وإجراء انتخابات عامة بإشراف أممي، إضافة إلى عقد مؤتمر وطني شامل برعاية الأمم المتحدة. وفي ما يتعلق بالعدالة الانتقالية، قدم المجلس سلسلة من الإجراءات، مثل إحالة الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب إلى المحكمة الجنائية الدولية، وتشكيل محكمة خاصة بسوريا، وضمان الإفراج عن المعتقلين والمغيبين قسراً، وإنشاء هيئة مستقلة للتحقيق في ملف المفقودين، وضبط ملف الجنسية ومنع التغيير الديمغرافي والتهجير القسري.
موقف الدولة السورية
ورغم هذه التصريحات، تؤكد دمشق على التمسك بالدولة المركزية ورفض أي خطوات قد تؤدي إلى انفصال فعلي أو تقويض سلطة الدولة. ويعكس الموقف رؤية الدولة بأن المجلس السياسي يسعى من خلال بيانه إلى تمرير مشروع انفصالي على شكل فدرالية، قد يُستخدم لاحقاً لتقويض دور الحكومة في إدارة المناطق الحيوية شمال غرب البلاد، خصوصاً الساحل الذي يضم محافظات استراتيجية.
تحديات الفيدرالية في السياق السوري
وكان قد أعلن عن تشكيل المجلس السياسي لغرب ووسط سوريا (PCCWS) في الساحل السوري، بقيادة مؤسسين من الطائفة العلوية، ويشمل المجلس محافظات اللاذقية وطرطوس وأجزاء من حمص وحماة، في خطوة يُنظر إليها كجزء من محاولات لتأسيس نموذج فيدرالي قائم على محددات قانونية وجغرافية. ورغم الأهداف المعلنة، تثار تساؤلات حول قدرة المجلس على تنفيذها فعلياً في ظل الانقسامات السياسية والطائفية المستمرة، واعتماده على قيادات ذات نفوذ خارجي قد يعيق أي محاولة حقيقية لدمج السلطة أو إدارة الموارد بشكل متوازن. ويضم المجلس مجموعة من الشخصيات البارزة من الطائفة العلوية، بينهم أمجد بدران، صلاح نيوف، عيسى إبراهيم، علي عبود، كنان وقاف، عمار عجيب، مصطفى رستم، أوس درويش، رئيف سلامة، وحيد يزبك وآخرون، ما يثير مخاوف من ترسيخ نفوذ طائفي مركّز بدلاً من بناء نظام شامل يمثل جميع المكونات. ويحاول المجلس استثمار الفراغ السياسي المحلي والضغوط الإقليمية لتثبيت حضوره، لكن هذا الرهان محفوف بالمخاطر، إذ يبدو الاختبار أكثر مرتبطاً بالنفوذ العلوي في الساحل السوري منه بمحاولة فعلية لبناء نموذج فيدرالي علماني أو مدني قابل للتطبيق.
يبقى الإعلان عن المجلس السياسي بمثابة اختبار لتوازن القوى في الساحل السوري، لكنه يواجه رفضاً رسمياً صريحاً من دمشق. الخطوة تحمل في ظاهرها طموحات سياسية مدنية، لكنها من منظور الدولة تعد محاولة لإعادة توزيع السلطة على أسس طائفية واستقلالية محلية، وهو ما يضعها في خانة التحركات الانفصالية التي يُحذر منها القانون والدستور.
في ضوء هذه المعطيات، يبدو أن أي مشروع فدرالي منفرد شمال غرب سوريا سيصطدم بمركزية الدولة وسلطاتها، وأن ما يعلن عنه المجلس السياسي يبقى حتى الآن خطوة رمزية قد تترجم لاحقاً إلى مواجهة سياسية وقانونية مع الحكومة المركزية.