محادثات أمريكية إسرائيلية تنتهي دون توافق حول "اليوم التالي" للحرب

واشنطن – وكالة أنباء آسيا

2025.08.28 - 08:21
Facebook Share
طباعة

بينما تتسع رقعة المأساة الإنسانية في قطاع غزة إلى مستويات غير مسبوقة، شهدت العاصمة الأمريكية واشنطن سلسلة من الاجتماعات بين مسؤولين أمريكيين وإسرائيليين لبحث مستقبل القطاع في مرحلة ما بعد الحرب.

اللقاءات، التي وُصفت بأنها "حاسمة"، جاءت وسط تحذيرات من مجاعة مؤكدة، واتهامات متزايدة لإسرائيل بارتكاب انتهاكات جسيمة للقانون الدولي عبر استهداف المستشفيات والبنية المدنية.
هذه اللقاءات عُقدت في أجواء يطغى عليها التناقض، إذ تحاول الولايات المتحدة صياغة تصور سياسي – إنساني لإدارة القطاع، بينما تذهب إسرائيل نحو مقاربة أمنية صِرف، تضع التهجير الجماعي للسكان كخيار "حتمي" ضمن رؤيتها. هذا التباين ليس جديدًا، لكنه يزداد وضوحًا مع تفاقم المأساة الإنسانية على الأرض، ما يجعل أي سيناريو للتسوية السياسية أكثر تعقيدًا.

إسرائيل والتمسك بخيار "التهجير"

أوساط حكومية في إسرائيل تؤكد أن أي حل مستقبلي لغزة لا بد أن يتضمن تقليص الوجود الفلسطيني بشكل جوهري. هذا الطرح، الذي يُقدَّم على أنه "أمر واقع" لضمان الأمن الإسرائيلي طويل المدى، يعكس تحولات في الخطاب السياسي داخل تل أبيب، حيث لم يعد النقاش يدور حول إعادة إعمار أو تمكين سلطة فلسطينية، بل حول إعادة رسم ديمغرافية القطاع بالكامل. مثل هذه الطروحات تثير قلقًا أمريكيًا متصاعدًا، إذ تخشى واشنطن أن يؤدي فرض التهجير إلى انفجار إقليمي قد يشمل مصر والأردن ودول الخليج.

واشنطن بين الموازنة والضغوط

الإدارة الأمريكية تجد نفسها عالقة بين التزاماتها تجاه إسرائيل كحليف استراتيجي، وبين الضغوط الدولية والداخلية المطالبة بوقف المأساة الإنسانية. لذلك، تطرح واشنطن مبادرات إنسانية جزئية، مثل تأسيس مراكز توزيع غذائية مشتركة، وزيارات ميدانية لوفودها إلى المعابر الحدودية لتقييم الوضع. غير أن هذه الخطوات توصف من قبل خبراء بأنها "محاولات تجميلية" لا ترتقي إلى حجم الكارثة، خاصة في ظل استمرار القيود الإسرائيلية على دخول المساعدات بكميات كافية.

على الأرض، تكشف الصور والتقارير عن مأساة متصاعدة: أطفال يشعلون النفايات لطهو ما تبقى من طعام، عائلات تبحث بين الركام عن قوت يومها، ومستشفيات عاجزة عن استقبال المرضى. الأمم المتحدة أكدت رسميًا أن غزة دخلت مرحلة المجاعة، في خطوة وُصفت بأنها "إعلان انهيار شامل" للوضع الإنساني. التقديرات تشير إلى أن المجاعة لن تقتصر على مدينة غزة، بل ستمتد إلى خان يونس ودير البلح، ما يعني أن أكثر من مليوني إنسان يعيشون في دائرة الخطر المباشر.

استهداف المستشفيات يفاقم الغضب

الأزمة الإنسانية ترافقها انتهاكات صادمة؛ أبرزها استهداف مستشفى ناصر في خان يونس مرتين متتاليتين، ما أسفر عن مقتل أكثر من 20 شخصًا بينهم صحفيون ومسعفون. هذه الهجمات أثارت موجة استنكار واسعة، إذ وصفتها الأمم المتحدة بأنها "انتهاك فاضح للقانون الدولي"، فيما طالبت منظمات حقوقية بتحقيق مستقل، مؤكدة أن استهداف المراكز الطبية لا يمكن تبريره تحت أي ذريعة أمنية. الصور القادمة من المستشفى عززت الانطباع بأن الاستهداف ليس عارضًا، بل جزء من سياسة ممنهجة لتقويض ما تبقى من النظام الصحي في غزة.

ما يعيشه القطاع اليوم يتجاوز كل المآسي السابقة. فمنذ فرض الحصار عام 2007، مرّ سكان غزة بجولات حرب متكررة، كان أشدها في 2008 و2014، حيث تعرضت البنية التحتية لدمار واسع. لكن الوضع الحالي يُعد الأكثر كارثية: أكثر من 80% من المباني مدمرة وفق صور أقمار صناعية، الاقتصاد مشلول بالكامل، والقطاع الصحي على وشك الانهيار النهائي. هذا التحول يجعل من الحرب الأخيرة نقطة فاصلة في تاريخ الصراع، إذ لم يعد الحديث عن إعادة إعمار أو تحسين شروط حياة، بل عن إنقاذ وجودي من خطر الزوال.

حسابات إقليمية معقدة

القضية لا تنفصل عن الحسابات الإقليمية الأوسع. واشنطن تسعى لإعادة السلطة الفلسطينية إلى غزة ضمن إطار إقليمي قد يشمل اتفاقات تطبيع جديدة مع دول عربية، لكن إسرائيل ترفض أي صيغة تمنح الفلسطينيين سيادة أو إدارة مستقلة. هذا التباين يجعل مستقبل غزة رهينة صراع بين منطقين: منطق القوة والتهجير الذي تتبناه تل أبيب، ومنطق التسويات السياسية الذي تحاول واشنطن تمريره. وفي ظل غياب توافق حقيقي، تبقى غزة ساحة مفتوحة على احتمالات أكثر قتامة.

المشهد العام يوحي بأن المفاوضات في واشنطن لم تقترب من صياغة مخرج سياسي متماسك، بل كرست التباينات القائمة. وفي المقابل، يزداد الواقع الميداني قتامة مع تثبيت المجاعة كواقع رسمي، واستمرار استهداف المراكز الطبية، وتفاقم الدمار الشامل. كل ذلك يضع غزة على مفترق طرق تاريخي: إما الانزلاق نحو انهيار وجودي شامل، أو الدخول في مرحلة إعادة صياغة جذرية لمستقبلها السياسي والإنساني، وسط غياب ضمانات دولية حقيقية.

كما تكشف اجتماعات واشنطن أن الخلافات الجوهرية بين الولايات المتحدة وإسرائيل ما زالت عالقة، وأن التفاهم حول "اليوم التالي" أبعد ما يكون عن التحقق. في المقابل، تواصل غزة الانحدار إلى حافة هاوية إنسانية غير مسبوقة، مع تثبيت المجاعة كواقع رسمي واستهداف المستشفيات كمشهد متكرر.

في المحصلة، يبدو أن المسار السياسي غائب، بينما يطغى منطق القوة العسكرية والمساومات الضيقة، وهو ما يجعل مستقبل غزة مفتوحًا على سيناريوهات أكثر قسوة، قد تمتد تداعياتها إلى كامل الإقليم وتعيد تشكيل معادلة الصراع العربي – الإسرائيلي لسنوات طويلة قادمة. 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 2 + 4