في خطوة استثنائية على الساحة السياسية اللبنانية، قدّم عدد من النواب والشخصيات السياسية المعارضة أمس الأربعاء شكوى جزائية مباشرة ضد أمين عام "حزب الله" نعيم قاسم أمام النيابة العامة التمييزية في بيروت، في تصعيد قانوني غير مسبوق ضد قيادات الحزب. وتحمل هذه الخطوة رمزية كبيرة في ظل تصاعد التوتر السياسي الداخلي والخطاب المتوتر الذي اتسم به قاسم مؤخراً.
شارك في تقديم الشكوى النواب أشرف ريفي، والياس الخوري، وجورج عقيص، وكميل شمعون، إلى جانب النائب السابق أدي أبي اللمع ورئيس حزب "حركة التغيير" المحامي إيلي محفوض. وأوضح ريفي بعد الانتهاء من الإجراءات:
"انتهى الدور الإيراني في المنطقة، ونقول إننا واجهنا الكلام غير المسؤول وغير الوطني لقاسم بخطة دستورية لنقول إن الدولة هي التي تجمعنا، والدويلة فرقتنا".
بدوره، أشار عقيص إلى الطابع التهديدي لتصريحات قاسم، مؤكداً: "كلام قاسم تضمن الكثير من التهديد بالحرب والفتنة والانقلاب على قرارات اتخذتها السلطة الدستورية. احتكمنا إلى القضاء فهو الذي يحمينا ويحمي القرارات التي اتخذتها الحكومة. لنا ثقة كبيرة بالقضاء ونتمنى أن تأخذ العدالة مجراها وأن يكون القضاء هو حامي الحريات والسلم الأهلي".
في حين أكّد المحامي إيلي محفوض أن الشكوى ليست مجرد إخبار، بل هي شكوى مباشرة اتخذ فيها صفة الادعاء الشخصي ضد قاسم، ما يعكس جدية التحرك القانوني ووضعه أمام القضاء بشكل رسمي وعلني.
تصريحات قاسم والتهديد بالحرب
أثارت تصريحات قاسم حول احتمال حدوث "فتنة تؤدي إلى حرب أهلية واسعة" في حال تم نزع سلاح الحزب جدلاً واسعاً على الصعيد السياسي والإعلامي، واعتُبرت تهديدًا مباشرًا لمبدأ سلطة الدولة ومؤسساتها الدستورية. ويأتي هذا في وقت تزداد فيه الدعوات الداخلية والخارجية لإعادة ترتيب العلاقة بين الدولة اللبنانية و"حزب الله"، خصوصاً فيما يتعلق بسلاح الحزب ودوره في السياسة الداخلية والخارجية للبنان.
التحرك القضائي الأخير يعكس محاولة واضحة من النواب والسياسيين المعارضين للضغط على "حزب الله" وقياداته عبر الوسائل القانونية، بدلًا من الانجرار إلى مواجهة مفتوحة قد تعمق الانقسامات الطائفية والسياسية في البلاد. كما يمثل دعمًا رمزيًا وإجرائيًا لمبدأ الفصل بين السلطات وتعزيز الثقة بالقضاء اللبناني كمؤسسة قادرة على حماية الدولة والمجتمع من أي تهديدات خارج إطار القانون.
من جهة أخرى، من المتوقع أن يشهد الحزب ردود فعل سياسية ودبلوماسية متعددة، إذ قد يستخدم هذا التحرك كذريعة لتصعيد الخطاب السياسي، خصوصاً في ظل ارتباطاته الإقليمية مع إيران، والتي قد ترى في هذه الشكوى محاولة للضغط على نفوذها في لبنان.
هذا التحرك القضائي يأتي في وقت تشهد فيه المنطقة توترات متصاعدة بين النفوذ الإيراني والحركة السياسية اللبنانية المعارضة، ما يضع لبنان في دائرة اهتمام إقليمي مكثف. من المرجح أن يتم مراقبة هذه القضية عن كثب من قبل الدوائر السياسية في إيران، والتي قد تعتبر أي تحرك قضائي ضد قاسم بمثابة تهديد مباشر لمصالحها في لبنان، خصوصاً في ظل استمرار الحرب على الحدود اللبنانية–الإسرائيلية والتوترات المستمرة في سوريا.
إذا ما أفضت الإجراءات القضائية إلى محاكمة فعلية، فقد يشكل هذا سابقة قانونية وسياسية كبرى في تاريخ لبنان الحديث، إذ سيكون أول تحرك قضائي مباشر ضد قيادة حزب رئيسية مسلحة وذات امتداد إقليمي. كما قد يؤدي إلى مزيد من الانقسام السياسي والطائفي، خاصة إذا اعتبر الحزب أن هذا التحرك يستهدف ضرب دوره العسكري والسياسي في لبنان.
التحرك القضائي ضد نعيم قاسم هو أكثر من مجرد خطوة قانونية؛ إنه مؤشر على تصاعد التوتر بين الدولة اللبنانية و"حزب الله"، وتأكيد على استمرار النقاش حول سلطة الدولة وسلاح الحزب. تبقى الأنظار موجهة نحو القضاء اللبناني، حيث يترقب اللبنانيون والعالم نتائج هذه الشكوى، التي قد تحدد مدى قدرة الدولة على فرض سيادتها، أو تعمّق الانقسام بين القوى السياسية والطائفية في البلاد