في وقت يتصاعد فيه التوتر على الحدود اللبنانية – الإسرائيلية، وصل المبعوث الأميركي الخاص توم براك إلى ثكنة فرنسوا الحاج في مرجعيون بجنوب لبنان، وسط إجراءات أمنية مشددة واحتجاجات رافضة للزيارة. وتزامنت الزيارة مع تفجير إسرائيلي جديد داخل بلدة كفركلا الحدودية، ما أعاد التذكير بخروقات تل أبيب المتكررة لاتفاق وقف الأعمال العدائية المعلن أواخر العام الماضي.
أكدت الوكالة الوطنية للإعلام أن الجيش اللبناني عزز انتشاره في محيط مرجعيون، ولا سيما عند المدخل الشمالي لمدينة الخيام، تحسباً لأي توترات قد ترافق الزيارة. في المقابل، أطلقت قوى سياسية وشعبية دعوات للتظاهر رفضاً لما اعتبرته "محاولة أميركية لفرض إملاءات على لبنان في ملف الصراع مع إسرائيل".
الزيارة تأتي بعد أيام من تصاعد الانتقادات اللبنانية لأداء براك خلال مؤتمر صحافي بالقصر الجمهوري، حيث اتهمته أوساط إعلامية وسياسية بـ"التعالي على الصحافة اللبنانية" وتجاهل أسئلة جوهرية تتعلق بالسيادة الوطنية وخروقات إسرائيل.
بالتوازي مع ذلك، واصلت إسرائيل استهداف الجنوب اللبناني، إذ وقع انفجار قوي فجر الأربعاء نتيجة عملية تفجير داخل بلدة كفركلا، في خرق جديد للاتفاق المعلن في 27 نوفمبر الماضي. ورغم انتشار قوات الأمم المتحدة (اليونيفيل) والجيش اللبناني، لا تزال القوات الإسرائيلية تحتفظ بخمس نقاط عسكرية داخل الأراضي اللبنانية وتقوم بعمليات تجريف وغارات شبه يومية.
تأتي زيارة براك في إطار وساطة أميركية تهدف لتثبيت معادلة "خطوة بخطوة" بين لبنان وإسرائيل، تقوم على تخفيف التوتر الأمني مقابل إجراءات سياسية واقتصادية داخل لبنان. إلا أن هذه المقاربة تصطدم برفض قوى لبنانية واسعة ترى فيها محاولة لتكريس التفوق الإسرائيلي على حساب سيادة لبنان.
كما تأتي التطورات الأخيرة في ظل نقاش داخلي لبناني حول مستقبل سلاح "حزب الله" وعلاقته بمصير سلاح الفصائل الفلسطينية داخل المخيمات، وهو ملف يزداد تعقيداً مع استمرار الحرب في غزة وتداخل الأجندات الإقليمية.
بين مساعي واشنطن لتثبيت قواعد اشتباك جديدة على الحدود الجنوبية، وتمسك تل أبيب بسياسة الخروقات والضغط العسكري، يجد لبنان نفسه أمام مرحلة دقيقة، حيث أي زلة في الحسابات قد تفتح الباب على مواجهة أوسع. زيارة براك، رغم رمزيتها الدبلوماسية، قد تكون مؤشراً إلى حجم الانخراط الأميركي المباشر في رسم ملامح المرحلة المقبلة على الحدود اللبنانية – الإسرائيلية.