توماس فريدمان: إسرائيل على طريق "الانتحار السياسي" تحت حكم نتنياهو

وكالة أنباء آسيا

2025.08.27 - 10:10
Facebook Share
طباعة

رسم الكاتب الأمريكي توماس فريدمان صورة قاتمة لمستقبل إسرائيل في ظل استمرار الحرب على غزة، معتبرًا أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يستخدم هذه الحرب كوسيلة للبقاء في السلطة، بعيدًا عن أي أهداف استراتيجية واضحة أو حلول سياسية مستدامة.


يخلص فريدمان إلى أن العالم بات يميز بين حرب تُخاض من أجل بقاء إسرائيل كدولة، وحربٍ هدفها الوحيد بقاء نتنياهو في السلطة. هذا التوصيف يعكس تحوّلاً خطيراً في الرأي العام الدولي، حيث لم يعد ممكناً تجاهل الأثمان الإنسانية الباهظة في غزة. ويذهب الكاتب إلى القول إن المسار الحالي يقود إسرائيل إلى "انتحار جيوسياسي" لا يمكن إنقاذها منه إلا بقرار خارجي حاسم، مشيراً إلى دور محتمل للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لكنه في الوقت ذاته يخشى أن يكون الأخير قد وقع أسير وعود نتنياهو وأوهام "النصر الكامل".

حرب من أجل بقاء نتنياهو لا بقاء الدولة

يرى فريدمان أن الحكومة الإسرائيلية تمارس ثلاثية خطيرة في آن واحد: "الانتحار والقتل والاقتتال الداخلي". فهي ـ بحسب تعبيره ـ تدمر مكانة إسرائيل على الساحة الدولية، وتستمر في قتل المدنيين الفلسطينيين من دون اعتبار لحياة الأبرياء، كما تمزق وحدة المجتمع الإسرائيلي واليهودي حول العالم بين داعمين غير مشروطين لإسرائيل، وآخرين يبتعدون تدريجيًا عن تبرير ممارساتها.

وأشار الكاتب إلى أن الغارة الجوية الإسرائيلية الأخيرة التي استهدفت مستشفى في جنوب غزة، وأسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 20 شخصًا بينهم صحفيون ومسعفون، لم تكن سوى نتاج مباشر لسياسات نتنياهو. فالأخير ـ كما يقول ـ يسعى إلى إطالة أمد الحرب للهروب من محاكماته الجنائية وتجنب لجان تحقيق قد تكشف مسؤوليته عن الفشل في منع هجوم حماس في 7 أكتوبر.

دعم اليمين المتطرف وخطط الضم

يؤكد فريدمان أن استمرار نتنياهو في الحكم يعتمد على دعم وزراء اليمين المتطرف مثل بتسلئيل سموتريتش، الذي يعمل على تكثيف الاستيطان ومنع أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية. بل إن سياسات التهجير وجرف المنازل ووقف إدخال المساعدات ليست ـ وفق فريدمان ـ ذات أهداف عسكرية حقيقية، وإنما وسيلة لـ"جعل الحياة لا تُطاق" ودفع الفلسطينيين نحو الرحيل.

حرب بلا مبرر استراتيجي

ولفت فريدمان إلى أن إسرائيل أضعفت حماس عسكريًا بالفعل، وقتلت معظم القادة الذين خططوا لهجوم أكتوبر، لكنها ما زالت تبرر استمرار الحرب بمطاردة قادة ميدانيين ثانويين يعيشون بين المدنيين. وهو ما يطرح إشكالية أخلاقية وسياسية خطيرة: فبينما يمكن لدولة أن تبرر سقوط مدنيين عند استهداف قادة بارزين، فإن قتل عشرات الأبرياء في محاولة لاغتيال شخصية ميدانية صغيرة يضع إسرائيل في خانة "القتل العبثي" أكثر من كونه حربًا دفاعية.

إسرائيل كدولة منبوذة

يذهب فريدمان إلى أن السياسات الإسرائيلية الحالية تضع الدولة العبرية على طريق التحول إلى "دولة منبوذة". هذا التدهور في صورتها الدولية قد يصل إلى درجة تجعل الإسرائيليين يخشون التحدث بالعبرية أثناء سفرهم إلى الخارج. والسبب، بحسبه، أن العالم بات يميز بين حرب من أجل بقاء إسرائيل كدولة، وحرب من أجل بقاء نتنياهو في منصبه.

انقسام داخلي ويهودي عالمي

على الصعيد الداخلي، يلفت فريدمان إلى أن استمرار الحرب سيفاقم الانقسام داخل المجتمع الإسرائيلي نفسه، مع خروج مئات الآلاف إلى الشوارع رفضًا لحكومة نتنياهو. كما ستتعمق الهوة بين الجاليات اليهودية في العالم، وخصوصًا خلال الأعياد القادمة، حيث سيجد كثيرون صعوبة في التوفيق بين دعمهم لإسرائيل وانتقادهم الشديد لممارساتها في غزة.

"انتحار بمساعدة الغير"

ويختم الكاتب مقاله بتشبيه لافت، إذ يرى أن ما يحدث ليس فقط "انتحارًا جيوسياسيًا" بل "انتحار بمساعدة الغير". فالوحيد القادر على إيقاف هذا المسار، من وجهة نظره، هو الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، لكنه ـ كما يقول ـ وقع ضحية خداع نتنياهو، الذي أقنعه برفض خيار وقف إطلاق النار والسير خلف وهم "النصر الكامل".

 

المقال يضع إسرائيل أمام معادلة خطيرة: فالحرب التي كان يُفترض أن تعزز أمنها وشرعيتها الدولية تحولت، وفق فريدمان، إلى عبء استراتيجي وسياسي يقودها إلى عزلة وانقسام داخلي متزايد. وبذلك، يصبح مستقبل الدولة العبرية مرهونًا بقدرة المجتمع الإسرائيلي وحلفائه على التمييز بين مصلحة الدولة ومصلحة نتنياهو الشخصية.


منذ السابع من أكتوبر الماضي، دخلت إسرائيل في حرب واسعة ضد غزة عقب هجوم مفاجئ نفذته حماس. ورغم مرور أشهر طويلة وسقوط عشرات الآلاف من الضحايا المدنيين الفلسطينيين، لم تحقق تل أبيب هدفها المعلن بالقضاء على الحركة أو إيجاد بديل سياسي يحظى بشرعية. في المقابل، يواجه نتنياهو انتقادات متصاعدة من المعارضة الإسرائيلية ومن أسر الجنود المحتجزين في غزة، فضلاً عن محاكمات فساد مؤجلة تهدد مستقبله السياسي.

أما على الصعيد الدولي، فقد تراجعت صورة إسرائيل بشكل غير مسبوق، إذ تزايدت الدعوات في أوروبا وأمريكا لمراجعة الدعم غير المشروط لتل أبيب، مع اتهامات متصاعدة لها بارتكاب جرائم حرب، ما يضع علاقتها بالغرب أمام اختبار صعب.

 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 9 + 8