في خطوة تكشف حجم التوتر المتصاعد في المنطقة، أعلن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقشي أنّ بلاده "مستعدة لخوض حرب أخرى مع إسرائيل"، مؤكداً أنّ أي مواجهة مقبلة "ستُقابل برد أعنف وأوسع". التصريحات، التي نُشرت في 27 أغسطس 2025، لا يمكن قراءتها كجملة عابرة بقدر ما تعكس استراتيجية إيرانية تستند إلى تداخل الميدان العسكري مع التحركات الدبلوماسية، في لحظة إقليمية يغلب عليها الغموض والانفجار.
بين التهديد العسكري والتعبئة السياسية
رسالة عراقشي جاءت مزدوجة: من جهة، تأكيد على أنّ إيران لن تتردد في خوض مواجهة مباشرة إذا فُرضت عليها، ومن جهة أخرى دعوة علنية للدول العربية لقطع علاقاتها مع إسرائيل تضامناً مع غزة. هذه الصياغة تعكس إدراك طهران أنّ المعركة ليست فقط بالسلاح، بل أيضاً في ساحة العلاقات الإقليمية والدبلوماسية.
السياق الإقليمي: غزة كعامل محفّز
التصريحات تزامنت مع استمرار النزيف الإنساني في قطاع غزة، حيث تحذّر الأمم المتحدة من مجاعة وشيكة، ومع عجز المبادرات الدولية عن فرض تهدئة مستقرة. إيران تستثمر في هذا الواقع، لتطرح نفسها كحامية للقضية الفلسطينية، وتُحرج في الوقت نفسه بعض الأنظمة العربية التي انخرطت في مسار تطبيعي مع إسرائيل.
لبنان وسوريا كساحات اختبار
التحذير الإيراني لا ينفصل عن التصعيد المتكرر في سوريا والجنوب اللبناني. الضربات الإسرائيلية على مواقع إيرانية أو مرتبطة بحزب الله باتت شبه دورية، فيما تشير تقارير إلى تحرّكات عربية لإنشاء منطقة اقتصادية جنوب لبنان لاحتواء تأثير سلاح حزب الله. وهنا تتضح معادلة مزدوجة: كلما توسّعت محاولات "تحييد" نفوذ طهران في محيط إسرائيل، كلما صعّدت الأخيرة خطابها ورسائلها الميدانية.
رسائل للخارج والداخل معاً
على المستوى الدولي، يشكّل هذا التصريح ورقة ضغط في وجه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، لإظهار أنّ إيران تملك أوراقاً يصعب تجاهلها. داخلياً، تسعى القيادة الإيرانية إلى تعزيز صورة الصمود والردع في ظل أزمة اقتصادية خانقة، حيث يُعتبر خطاب المواجهة مع إسرائيل وسيلة لإعادة تعبئة الشارع الإيراني خلف النظام.
المواجهة بين طهران وتل أبيب ليست جديدة، إذ تراكمت على مدى عقود في ساحات غير مباشرة: من دعم إيران لفصائل المقاومة الفلسطينية واللبنانية، إلى حرب الظلّ التي تشمل اغتيالات علمية، وهجمات سيبرانية، وضربات جوية في العمق السوري. الجديد اليوم أنّ الخطاب العلني يزداد صراحة، والسيناريوهات المحتملة تتراوح بين استمرار "التصعيد المراقَب" وصولاً إلى حرب إقليمية أوسع قد تشمل لبنان والعراق والبحر الأحمر.
ما بين الردع والانزلاق
إيران تُدرك أنّ المواجهة الشاملة مكلفة للجميع، لكنها في الوقت نفسه ترفض أن تبدو متراجعة أمام إسرائيل. تصريحات عراقشي تأتي لتذكير الأطراف بأنّ أي ضربة جديدة قد تشعل دائرة أوسع من الحرب. وبينما تواصل الدوحة والقاهرة وعواصم أخرى جهودها لفرض تهدئة، تبقى المنطقة رهينة معادلة خطرة: تصعيد محدود قابل للضبط… أو خطأ واحد يحوّل التوتر إلى انفجار شامل.