التاريخ والسياسة يتقاطعان: ماذا يعني اعتراف نتنياهو بالإبادة الأرمنية؟

وكالة أنباء آسيا

2025.08.27 - 08:03
Facebook Share
طباعة

في خطوة اعتُبرت مفاجئة وتحمل أبعادًا سياسية بالغة الحساسية، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وللمرة الأولى بشكل صريح، اعترافه بـ"الإبادة الجماعية للأرمن". التصريح جاء خلال مقابلة عبر بودكاست أمريكي، حين أجاب نتنياهو بإيجاز على سؤال مباشر بالقول: "لقد فعلت ذلك للتو"، مشيرًا أيضًا إلى أن الكنيست سبق وأن أقرّ قرارًا بهذا المعنى، رغم أن القرار لم يُترجم بعد إلى اعتراف رسمي مُلزِم من الدولة.

 


اعتراف نتنياهو يحمل أهمية مضاعفة، ليس فقط لكونه الأول من نوعه من رئيس وزراء إسرائيلي، بل أيضًا لأنه يأتي في توقيت يشهد توترًا متصاعدًا مع تركيا على خلفية الحرب في غزة. إسرائيل لطالما امتنعت عن اتخاذ هذه الخطوة في العقود الماضية، خشية الإضرار بعلاقاتها الاستراتيجية مع أنقرة، وكذلك مع أذربيجان التي تعتبر نفسها حليفًا وثيقًا لتل أبيب في ملفات الطاقة والتسليح.

هذا الاعتراف الشخصي يفتح الباب أمام تساؤلات حول ما إذا كان يشكل تحولًا في السياسة الإسرائيلية الرسمية، أم أنه مجرد موقف فردي يراد منه إرسال رسالة سياسية محددة في سياق الصراع الراهن مع تركيا.


البعد الجيوسياسي والدبلوماسي

منذ عقود، ظلت مسألة الاعتراف بالإبادة الأرمنية خطًا أحمر في العلاقات التركية – الإسرائيلية. أنقرة ترى في أي اعتراف دولي "تشويهًا للتاريخ" وتهديدًا مباشرًا لهويتها الوطنية، وقد دأبت على الرد بعنف سياسي ودبلوماسي تجاه أي دولة تقدم على هذه الخطوة.

لكن التحولات في الشرق الأوسط، وخصوصًا الحرب في غزة، جعلت إسرائيل أقل اكتراثًا بالحساسية التركية. فالعلاقة بين أنقرة وتل أبيب تمر بأدنى مستوياتها منذ سنوات، مع تبادل اتهامات وتهديدات علنية. في هذا السياق، يبدو اعتراف نتنياهو وكأنه "ورقة ضغط" جديدة يستخدمها ضد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في إطار معركة سياسية ودعائية أوسع.


موقف إسرائيل من القضية الأرمنية

التاريخ السابق: إسرائيل، رغم ضغوط داخلية وخارجية، امتنعت لعقود عن الاعتراف الرسمي بالإبادة الأرمنية، وذلك للحفاظ على علاقتها مع تركيا، الشريك العسكري والإقليمي المهم منذ تسعينيات القرن الماضي.

الكنيست: شهد البرلمان الإسرائيلي محاولات متكررة لتمرير قرارات بالاعتراف، لكنها غالبًا ما أُجهضت بضغوط من الحكومات المتعاقبة.

التحولات الدولية: معظم الدول الغربية، بما فيها الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا، اعترفت رسميًا بالإبادة الأرمنية. ومع ذلك، بقيت إسرائيل خارج هذا الإجماع الدولي حتى اللحظة الراهنة.

 

خطوة رمزية أم تحول استراتيجي؟

يبقى السؤال الرئيسي: هل يمثل تصريح نتنياهو بداية لتغيير في السياسة الإسرائيلية الرسمية، أم أنه مجرد مناورة سياسية ظرفية مرتبطة بالأزمة مع تركيا؟

الأكيد أن هذه الخطوة لن تمر من دون رد فعل عنيف من أنقرة، التي تعتبر القضية الأرمنية أحد أكثر الملفات حساسية في سياستها الخارجية. كما أن القرار، في حال تحوّل إلى موقف رسمي للحكومة، قد يُعيد رسم توازنات إسرائيل في الإقليم، خصوصًا مع أذربيجان ومع اللوبيات الأرمنية في الولايات المتحدة وأوروبا.

بهذا المعنى، قد يكون اعتراف نتنياهو مقدمة لمواجهة دبلوماسية جديدة، تزيد من عزلته الخارجية، لكنها في الوقت ذاته تمنحه ورقة سياسية يلوّح بها في مواجهة أردوغان وحلفائه.


 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 6 + 10