أزمة المياه العالمية: لماذا يفشل العالم في تحقيق الوعود بحلول 2030؟

متابعات _ وكالة أنباء آسيا

2025.08.26 - 06:28
Facebook Share
طباعة

تقرير الأمم المتحدة الأخير عن المياه لم يأتِ بجديد صادم بقدر ما أكد حقيقة تتكرر كل عام: العالم بعيد عن تحقيق الهدف الطموح بتوفير مياه شرب آمنة وصرف صحي ونظافة للجميع بحلول عام 2030م لكن خلف هذه الأرقام تكمن قصة أعمق تتعلق بالاختلالات الاقتصادية والسياسية والبيئية التي تجعل المياه، وهي أبسط حق إنساني، سلعة نادرة ومصدر صراع.

منذ عام 2015، تمكن قرابة مليار شخص إضافي من الوصول إلى مياه مدارة بأمان، وهو إنجاز لا يمكن تجاهله. غير أن التقدم لم يكن متوازناً؛ فبينما حققت دول غنية وأخرى متوسطة الدخل قفزات كبيرة، بقيت القارة الأفريقية ومعها مناطق واسعة من آسيا الوسطى والريف في أمريكا اللاتينية أسيرة أزمات البنية التحتية وضعف الاستثمارات.
النتيجة أن أكثر من ملياري إنسان، أي ربع سكان العالم تقريباً، ما زالوا يعيشون دون مياه نظيفة.

الأسباب متعددة، تبدأ بضعف التمويل، فالكثير من الدول النامية تفتقر إلى القدرة المالية لإقامة شبكات مياه حديثة أو تحديث القائم منها.
ومع تصاعد الديون واشتداد الأزمات الاقتصادية، غالباً ما يُنظر إلى الاستثمار في قطاع المياه كأولوية مؤجلة. يضاف إلى ذلك العامل المناخي؛ إذ تسببت موجات الجفاف المتكررة والفيضانات المفاجئة في تدمير مصادر المياه أو تلويثها، ما جعل ملايين الأسر في مواجهة مباشرة مع نقص المياه أو تدهور جودتها.

لكن الأزمة ليست بيئية أو مالية فقط، بل سياسية أيضاً فالمياه في دول عدة تُدار بمنطق الزبائنية والمحسوبية، حيث تتحول شبكات التوزيع إلى ورقة ضغط بيد الحكومات أو السلطات المحلية. كما أن النزاعات المسلحة تُفاقم الوضع، إذ تُستهدف البنى التحتية عمداً أو تنهار نتيجة الإهمال، ما يترك السكان رهائن العطش.

التقرير الأممي ركز على مسألة "العدالة" في توزيع المياه، فالفتيات مثلاً في مجتمعات كثيرة يتحملن عبء جلب المياه من مسافات طويلة، ما يعيق تعليمهن ويعرضهن لمخاطر متعددة، هذا البعد الاجتماعي يجعل أزمة المياه ليست مجرد قضية خدمات، بل قضية تنمية وحقوق إنسان.

التحذير الذي حمله التقرير ليس فنياً فقط، بل استراتيجي: إذا استمر العالم بالوتيرة الحالية، فإن هدف التنمية المستدامة السادس، الخاص بالمياه والصرف الصحي، سيبقى بعيد المنال. هذا يعني أن تبعات صحية خطيرة ستستمر؛ فغياب المياه النظيفة يعني مزيداً من الأمراض المنقولة بالمياه، ومزيداً من وفيات الأطفال، وعبئاً اقتصادياً على المجتمعات الهشة.

الخلفية الأعمق إذن أن أزمة المياه هي انعكاس مباشر لانعدام المساواة عالمياً. ففي الوقت الذي تُهدر فيه مليارات الأمتار المكعبة من المياه في أنظمة زراعية غير مستدامة في بعض الدول، يقف ملايين البشر في القرى الأفريقية والآسيوية على ضفاف أنهار ملوثة أو آبار غير آمنة.

الحل لن يكون بتقارير أممية فقط، بل بإرادة سياسية واستثمارات طويلة الأمد، وبالاعتراف أن الماء ليس سلعة تجارية بل حق أساسي. لكن حتى يتحقق ذلك، يبقى السؤال مفتوحاً: هل يمكن للعالم أن يعيد ترتيب أولوياته قبل أن يتجاوز "عطش" الفقراء قدرته على السيطرة؟ 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 3 + 7