لماذا لم تصدر إسرائيل أي رد رسمي علي مقترح الوسطاء حتى الآن؟

وكالة أنباء آسيا

2025.08.26 - 03:49
Facebook Share
طباعة

أكدت الدوحة، اليوم الثلاثاء، استمرارها في انتظار الرد الإسرائيلي على المقترح الذي تقدمت به كل من قطر ومصر لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، والذي وافقت عليه حركة حماس منذ مطلع الأسبوع الماضي. يأتي هذا الإعلان في وقت تتصاعد فيه الضغوط الإنسانية والسياسية على الجانبين، وسط خشية من استمرار التصعيد العسكري الذي يهدد حياة المدنيين في القطاع ويزيد من مأساة الأسرى المحتجزين.

في التفاصيل، يشمل المقترح وقفًا مؤقتًا لإطلاق النار لفترة محددة، مع ترتيبات لتبادل الأسرى والرهائن، تشمل إطلاق سراح عدد من الرهائن الإسرائيليين مقابل الإفراج عن أسرى فلسطينيين، بالإضافة إلى تسهيلات لإدخال المساعدات الإنسانية لسكان غزة المتضررين من القصف المستمر، وما ترتب عليه من دمار للبنية التحتية والمرافق الحيوية. وتعكس موافقة حماس على هذا المقترح استعدادها لتبني حل جزئي يؤدي إلى تخفيف معاناة المدنيين، مع الإبقاء على إمكانية التوصل إلى اتفاق شامل لاحقًا يضمن حقوق الطرفين.

 

من جانبها، شددت حماس على أن الاتفاق هو الطريق الوحيد لإعادة المحتجزين إلى أهاليهم، محملة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المسؤولية الكاملة عن مصير الأسرى الأحياء لدى المقاومة. وأكدت الحركة أن تصديق نتنياهو على خطة الاحتلال بعد موافقتها على المقترح يؤكد استمرار إصراره على عرقلة أي اتفاق، ورفض كل الحلول التي تقدمها الوسطاء.

في المقابل، لم يصدر أي رد رسمي من إسرائيل حتى الآن على مقترح وقف إطلاق النار لعدة أسباب تتداخل فيها السياسة الداخلية مع الاستراتيجية العسكرية. أولاً، الحكومة الإسرائيلية تعيش مرحلة حساسة من الانقسام الداخلي، حيث يتعين على نتنياهو وحلفائه دراسة الرد بعناية لتجنب أي تداعيات سياسية أو شعبية قد تُضعف موقفهم أمام قواعدهم الانتخابية أو داخل البرلمان.


ثانياً، هناك اعتبارات أمنية، إذ تخشى إسرائيل أن أي رد سريع أو قبول جزئي للتهدئة قد يُفسَّر على أنه تنازل أمام حماس، وهو ما قد يُعطي الأخيرة فرصة لاستغلال فترة الهدنة لإعادة ترتيب قدراتها العسكرية أو تعزيز موقعها التفاوضي. ثالثاً، الانتظار يتيح لإسرائيل مساحة لمراجعة تفاصيل الصفقة المقترحة، والتفاوض خلف الكواليس مع الوسطاء القطريين والمصريين لتحقيق شروط إضافية أو ضمانات قبل الإعلان عن موقف رسمي. وأخيراً، ثمة بعد إقليمي ودولي، إذ تحاول إسرائيل التنسيق مع حلفائها، وخاصة الولايات المتحدة، لتقييم أي تبعات محتملة لأي اتفاق أو تهدئة، ما يجعل تأخر الرد جزءًا من استراتيجية مدروسة للضغط والسيطرة على مسار الأحداث قبل اتخاذ أي قرار علني.


هذا الجمود في الموقف يفاقم التوتر على الأرض ويزيد من حدة المخاطر الإنسانية في غزة، في ظل استمرار القصف وتراجع الأوضاع المعيشية لسكان القطاع.


يبقى السؤال مفتوحًا: هل ستوافق إسرائيل على مقترح الهدنة، أم أن التعنت سيستمر لتبقى معاناة المدنيين في غزة مرآة للجمود السياسي والإصرار على السياسات العسكرية؟ ويظل الرهان على الوسطاء القطريين والمصريين الذين يسعون إلى إقناع الأطراف بالعودة إلى طاولة التفاوض قبل فوات الأوان.


لماذا يرفض نتنياهو كل الحلول رغم اتفاق حماس؟


يعود رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لأي من الحلول أو الاتفاقات المقترحة رغم موافقة حماس إلى مجموعة عوامل سياسية وأمنية معقدة. أولاً، هناك الضغوط الداخلية الكبيرة داخل إسرائيل، إذ يتعامل نتنياهو مع حكومة تضم تحالفات سياسية متشددة ترفض أي تنازلات تجاه الفلسطينيين، وتعتبر أي اتفاق مع حماس بمثابة ضعف أمام الإرهاب حسب رؤيتهم.

ثانياً، هناك اعتبارات أمنية، إذ يرى نتنياهو أن أي تهدئة جزئية أو تبادل أسرى قد تُعطي حماس فرصة لإعادة بناء قدراتها العسكرية، وهو ما يتعارض مع استراتيجية الاحتلال في غزة.

ثالثاً، هناك الحسابات الانتخابية والسياسية، حيث يحاول نتنياهو إظهار موقف حازم أمام قواعده الانتخابية وحلفائه في البرلمان، ما يدفعه لرفض أي اتفاق قبل أن يكون مفروضًا على الأرض وفق شروطه الصارمة.

كما يسعى نتنياهو لاستغلال الوقت لإضعاف موقف الوسطاء والدول التي تحاول فرض تهدئة، ما يعكس نهجًا متسقًا يعتمد على التعنت السياسي والضغط العسكري لتحقيق أهدافه الاستراتيجية في غزة والمنطقة المحيطة.

 

على مدار السنوات الماضية، لعبت قطر ومصر دور الوسيطين الرئيسيين بين الأطراف الفلسطينية والإسرائيلية، ساعية إلى تخفيف التصعيد العسكري في قطاع غزة وتأمين حياة المدنيين، وفي الوقت نفسه معالجة ملف الأسرى والرهائن الذي يظل من أكثر الملفات حساسية وتعقيدًا في النزاع الفلسطيني–الإسرائيلي. تاريخيًا، كانت كل من الدوحة والقاهرة تعتمد على القنوات الدبلوماسية غير المباشرة، مع الاحتفاظ بالقدرة على التواصل المباشر مع الفصائل الفلسطينية وعلى رأسها حركة حماس، وكذلك مع المسؤولين الإسرائيليين، ما منحها دورًا محوريًا في صياغة مقترحات تهدف إلى وقف إطلاق النار أو عقد تهدئة محددة المدة.

في التجارب السابقة، أثبتت الوساطتان قدرة على التوصل إلى اتفاقات جزئية أحيانًا، مثل تهدئة محددة أو صفقة تبادل أسرى، لكنها غالبًا ما واجهت رفضًا أو تأخيرًا من الجانب الإسرائيلي، أو تباينًا داخليًا بين الفصائل الفلسطينية بشأن قبول المقترحات. ورغم ذلك، ظلت هذه الجهود تمثل أملًا وحيدًا لتجنب تصعيد عسكري أوسع، وتخفيف معاناة المدنيين في القطاع الذي يعاني منذ سنوات من الحصار ونقص الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية.

كما أن الوضع السياسي في إسرائيل يؤثر بشكل مباشر على قدرة أي وساطة على النجاح، إذ أن الحكومة الإسرائيلية في أغلب الأحيان تتخذ مواقف متشددة، خاصة في سياق الضغوط الداخلية والحسابات الانتخابية، ما يجعل أي اتفاق مؤقت هشًا ويعتمد على قدرة الوسطاء على إقناع جميع الأطراف بالالتزام بالشروط دون استثناءات. وعلى الجانب الفلسطيني، تلعب حماس دورًا مركزيًا في المفاوضات، كونها تتحكم فعليًا في الأرض والمقدرات العسكرية داخل القطاع، ما يمنحها ثقلًا سياسيًا يجعل أي اتفاق بدون موافقتها غير قابل للتطبيق.

الخبرة السابقة تشير إلى أن نجاح أي تهدئة أو اتفاق شامل يعتمد على توافق موازين القوى، ومرونة الأطراف، والضغط الدولي والإقليمي المكثف، خاصة من دول مثل قطر ومصر التي تسعى دائمًا للحفاظ على حد أدنى من الاستقرار الإقليمي. ومن هنا، فإن انتظار الدوحة لرد إسرائيل على المقترح الأخير لا يأتي في فراغ، بل هو جزء من سياق طويل من الجهود الدبلوماسية المحفوفة بالتحديات، والتي قد ينجح بعضها في تحقيق نتائج ملموسة، بينما يفشل البعض الآخر بسبب التعنت السياسي أو الحسابات الأمنية المتباينة.

 

 


 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 7 + 3