مليار دولار في خدمة السلام: واشنطن تمدد وجود اليونيفيل رغم تحفظات إسرائيل

بيروت – وكالة أنباء آسيا

2025.08.26 - 03:32
Facebook Share
طباعة

أعلنت الولايات المتحدة، الثلاثاء، موافقتها على تمديد مهمة قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان "يونيفيل" لمدة عام إضافي، في خطوة اعتبرها مراقبون دليلاً على استمرار التوازن الدقيق بين الضغوط الدولية والمحلية في المنطقة. ويأتي القرار في وقت كانت كل من واشنطن وتل أبيب قد أبدتا تحفظاتهما السابقة على تمديد مهمة القوة الأممية، التي تمثل أحد الأعمدة الأساسية للأمن والاستقرار في جنوب لبنان منذ العام 1978.


تأسست قوة "يونيفيل" عقب الاجتياح الإسرائيلي للبنان في مارس 1978، بهدف مراقبة وقف إطلاق النار، ودعم الحكومة اللبنانية في فرض سيطرتها على الجنوب، وتأمين عودة الحياة الطبيعية للمناطق الحدودية. وتضم القوة حاليًا أكثر من عشرة آلاف جندي من حوالي خمسين دولة، وتكلف ميزانية سنوية تتجاوز المليار دولار.

وعلى الرغم من فاعليتها في التخفيف من التصعيد المباشر بين إسرائيل وحزب الله، إلا أن استمرارية القوة لطالما كانت موضوع جدل بين القوى الإقليمية والدولية، خصوصًا فيما يتعلق بملف نزع سلاح حزب الله وسيادة الدولة اللبنانية على كامل أراضيها.

 

وقال الموفد الأمريكي توم براك، خلال مؤتمر صحفي عقب لقائه الرئيس اللبناني جوزيف عون في بيروت، إن "موقف الولايات المتحدة هو أننا سنمدّد لسنة واحدة مهمة القوة التي تنتهي في 31 أغسطس"، مشيرًا إلى أن الخطوة تأتي ضمن "جهود دولية للحفاظ على الاستقرار في الجنوب اللبناني".

وبحسب تصريحات براك، فإن تمديد القوة يرتبط أيضًا بمسار انسحاب إسرائيل من الجنوب اللبناني، مشيرًا إلى أن الانسحاب سيتم "بنفس وتيرة نزع سلاح حزب الله"، في إشارة واضحة إلى الربط بين الخطوة الأمريكية وتوازنات القوى العسكرية والسياسية المحلية.

 

باشرت الدول الأعضاء في مجلس الأمن مناقشة مشروع قرار التمديد يوم الاثنين الماضي، والذي ينص على تمديد مهمة يونيفيل حتى 31 أغسطس 2026، ويتضمن فقرة تشدد على "عزم مجلس الأمن العمل من أجل انسحاب القوة الأممية تدريجيًا، لتصبح الحكومة اللبنانية الضامن الوحيد للأمن في جنوب لبنان".

إلا أن التصويت على القرار أرجئ إلى موعد غير محدد، في ظل استمرار المناقشات الدبلوماسية حول البنود المتعلقة بالانسحاب والسيادة اللبنانية، بحسب مصادر دبلوماسية فرنسية.

 

ويمثل القرار الأمريكي خطوة سياسية دقيقة تهدف إلى الحفاظ على الاستقرار الحدودي، مع مراعاة التحفظات الإسرائيلية والتوازنات الداخلية في لبنان. ويعكس أيضًا التحديات المستمرة أمام الحكومة اللبنانية، التي تسعى لتعزيز سيادتها في الجنوب، في مواجهة وجود حزب الله كقوة مسلحة موازية.

ويرى محللون أن استمرار "يونيفيل" لعام إضافي يمنح الوقت للوساطات الدولية لتعزيز الحوار بين بيروت وتل أبيب، ويقلل من احتمال تصعيد عسكري مباشر على الحدود، لكنه لا يحل الجذور السياسية للصراع، خصوصًا فيما يتعلق بملف السلاح غير الخاضع للدولة اللبنانية.

 

يبقى التمديد الأمريكي خطوة مؤقتة في مسار طويل من التوازنات الدقيقة بين القوى الدولية والإقليمية والداخلية، فيما يواصل مجلس الأمن مناقشة مستقبل القوة الأممية ودور الحكومة اللبنانية في ضمان الأمن والاستقرار على حدودها الجنوبية.

 

 

تأسست قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان، المعروفة باسم "يونيفيل"، في 19 مارس 1978، عقب الاجتياح الإسرائيلي للبنان، بموجب قرار مجلس الأمن رقم 425. جاء تأسيس هذه القوة في سياق تصاعد النزاع الحدودي بين لبنان وإسرائيل، بهدف مراقبة وقف إطلاق النار، ودعم الحكومة اللبنانية في فرض سيطرتها على جنوب البلاد، فضلاً عن ضمان عودة الحياة الطبيعية للمدن والقرى الحدودية التي تأثرت بالصراع. ومنذ ذلك الحين، أصبحت "يونيفيل" عنصرًا أساسيًا في التوازنات الأمنية اللبنانية والإقليمية، إذ تمثل خطًا دقيقًا بين أطراف النزاع وتعمل على الحد من تصعيد التوترات العسكرية.

تضم القوة حاليًا أكثر من عشرة آلاف جندي من حوالي خمسين دولة، منتشرين على طول الحدود الجنوبية للبنان مع إسرائيل، في مناطق تشمل القرى والبلدات والمزارع المحيطة بها. ويكمن دورها الأساسي في مراقبة وقف الأعمال العدائية، وتقديم المساعدة الإنسانية، وتسهيل وصول المنظمات الدولية إلى المناطق المتأثرة بالنزاع. وبالرغم من تنوع الجنسيات والقدرات داخل "يونيفيل"، فإن مهامها تتركز بشكل واضح على ضبط الحدود والتنسيق مع الجيش اللبناني لتجنب أي خروقات قد تؤدي إلى تصعيد عسكري مباشر.

من أبرز الإنجازات التي حققتها "يونيفيل" على مدى عقود عملها، قدرتها على مراقبة وقف إطلاق النار بين الأطراف المتنازعة، وتسجيل أي خروقات للهدنة، والعمل على معالجتها عبر آليات دبلوماسية مشتركة. كما لعبت القوة دورًا مهمًا في دعم الجيش اللبناني، ومساعدته على فرض السيطرة الأمنية على الجنوب، بالإضافة إلى تقديم الدعم اللوجستي والإنساني للمدنيين، وتسهيل وصول وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية لتقديم المساعدات الضرورية للمتضررين من النزاعات المستمرة. وقد ساهم هذا الدور في تقليل مخاطر التصعيد العسكري المباشر، رغم أن تأثيرها يبقى محدودًا على الجذور السياسية للصراع، مثل ملف سلاح حزب الله والمطالب المرتبطة بالسيادة اللبنانية الكاملة على أراضيها.

لكن "يونيفيل" تواجه تحديات مستمرة تجعل مهمتها معقدة، وأبرزها قضية نزع سلاح حزب الله، التي لا تزال مصدر توتر مستمر بين لبنان وإسرائيل، فضلاً عن الضغوط الدولية المتزايدة على مجلس الأمن بشأن مسار الانسحاب وتوقيت إنهاء الوجود الأممي. كما أن التحديات المالية تشكل ضغطًا إضافيًا، إذ تتجاوز ميزانية القوة السنوية المليار دولار، ما يجعل استمرارها رهينًا بالموافقة الدولية والدعم المالي المستمر.

على المستوى الاستراتيجي، تمثل "يونيفيل" أداة مهمة في الحفاظ على استقرار منطقة جنوب لبنان، حيث تعمل كوسيط أمني ودبلوماسي يقلل من احتمالات التصعيد العسكري بين إسرائيل وحزب الله. كما تمنح مجلس الأمن الدولي منصة لمراقبة الحدود عن كثب، والتدخل عند الحاجة للحفاظ على اتفاقيات وقف إطلاق النار، ما يجعلها جزءًا لا يتجزأ من السياسة الدولية تجاه لبنان والمنطقة بأكملها.


 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 7 + 6