جاءت تصريحات وزارة الخارجية السعودية اليوم الثلاثاء لتؤكد موقف المملكة الثابت تجاه الأزمة السورية، مؤكدة رفضها القاطع لأي دعوات انفصالية تهدف إلى تقسيم الدولة السورية، في وقت تشهد فيه محافظة السويداء تصاعدًا متسارعًا للتوترات. البيان السعودي لم يكتفِ بإدانة الانتهاكات الإسرائيلية، بل جاء ليضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته تجاه حماية وحدة سوريا واستقرارها، في مواجهة محاولات محلية وإقليمية لإعادة رسم خريطة النفوذ في جنوب البلاد. هذا الموقف يعكس رؤية الرياض الاستراتيجية في الحفاظ على استقرار سوريا كخط دفاع أساسي عن الأمن العربي الإقليمي، وربط مصالحها بالمشهد الدولي، خاصة مع تصاعد التداخلات الإقليمية التي تشمل إيران وتركيا وروسيا.
أكد البيان السعودي أن أي توغل إسرائيلي على الأراضي السورية يمثل خرقًا صارخًا للسيادة الوطنية، وللقانون الدولي، وكذلك لاتفاق فض الاشتباك الموقع عام 1974 بين سوريا وإسرائيل. هذه الانتهاكات الإسرائيلية تتخذ أشكالاً متعددة، تشمل الغارات الجوية والتوغل المحدود في الجنوب السوري، ما يهدد استقرار محافظة السويداء ويزيد من هشاشة الأمن فيها. السعودية ربطت هذه الانتهاكات بالتصعيد المحلي والدولي، مشيرة إلى أن استمرارها يشجع بعض القوى الإقليمية على استغلال الوضع، وإشعال النزاعات الداخلية تحت غطاء التدخل الخارجي.
دعم الحكومة السورية وتعزيز سيادة الدولة:
شددت المملكة على دعمها الكامل لأي إجراءات تتخذها الحكومة السورية لضمان الأمن والسلم الأهلي، والحفاظ على سيادة الدولة ومؤسساتها على كامل الأراضي السورية. البيان دعا جميع الأطراف السورية إلى تغليب لغة الحوار والتفاهم الوطني، بعيدًا عن أي محاولات تقسيمية. الرياض تعتبر أن الوحدة الوطنية وحماية مؤسسات الدولة هما خط الدفاع الأول لمواجهة أي تدخلات خارجية، وهو ما يربط الاستقرار الداخلي بالاستقرار الإقليمي.
رفض الدعوات الانفصالية محليًا:
البيان السعودي جاء ردًا على دعوات بعض مشايخ عقل الموحدين الدروز، وعلى رأسهم حكمت الهجري، التي طالبت بدعم دولي لإعلان إقليم منفصل في جنوب سوريا. السعودية أكدت أن أي انفصال لن يكون مقبولًا عربيًا أو دوليًا، وأن وحدة الأراضي السورية خط أحمر. هذا الموقف يعكس إدراك الرياض لخطورة أي تقسيم محتمل، ليس فقط على سوريا، بل على جنوب لبنان والأردن والمناطق الحدودية مع فلسطين المحتلة، حيث يمكن لأي إقليم مستقل أن يصبح منصة لتدخلات إقليمية.
الموقف الإقليمي والدولي:
تتداخل مصالح عدة دول في جنوب سوريا، حيث تلعب إيران دورًا داعمًا للنظام السوري، فيما تسعى تركيا للنفوذ على طول الحدود الشمالية، وتواصل روسيا تعزيز وجودها العسكري في مناطق استراتيجية. السعودية، من جانبها، ترى أن حماية سيادة سوريا ووحدة أراضيها يمثل مسؤولية جماعية للدول العربية والمجتمع الدولي، محذرة من الانقسام الذي قد يخلق فراغًا أمنيًا وتنافسًا إقليميًا على النفوذ، بما يهدد الاستقرار. البيان دعا المجتمع الدولي للضغط على إسرائيل لوقف انتهاكاتها، ولتجنب منح أي طرف خارجي أو محلي مبررًا لتقسيم الدولة.
السيناريوهات المستقبلية لجنوب سوريا:
في حال استمرت الدعوات الانفصالية، فقد تواجه سوريا مواجهة مزدوجة: توتر داخلي في محافظة السويداء، وتدخل إسرائيلي محتمل في الجنوب، إلى جانب احتمالية استغلال القوى الإقليمية للمناطق المنقسمة لتعزيز نفوذها. بينما يحاول النظام السوري تعزيز سيطرته على كامل الأراضي، يمثل موقف السعودية دعمًا سياسيًا واستراتيجيًا يوازن التوترات، ويُبقي الخيار الدبلوماسي والحوار الداخلي هو الطريق الأمثل للحفاظ على الأمن والاستقرار.
موقف السعودية يؤكد أن أي محاولة لتقسيم سوريا ستواجه رفضًا عربيًا ودوليًا، وأن حماية سيادة الدولة السورية ووحدة أراضيها يجب أن تكون أولوية استراتيجية مشتركة. البيان يعكس إدراك الرياض لخطورة الانقسامات المحلية والإقليمية، ويدعو جميع الأطراف للتمسك بالحوار والسيادة الوطنية كحل أمثل لمواجهة التحديات الأمنية والسياسية في جنوب سوريا، في وقت تتصاعد فيه الانتهاكات الإسرائيلية والتدخلات الإقليمية التي تهدد استقرار المنطقة بأكملها.
محافظة السويداء شهدت في السنوات الأخيرة تصاعدًا ملحوظًا للتوترات المحلية، نتيجة مزيج من الانقسامات الداخلية والصراعات القبلية والمطالب الإقليمية. هذه التوترات زادت من ظهور دعوات لإعلان إقليم مستقل في جنوب سوريا، وهو ما جعل المنطقة ساحة محتملة لتدخلات خارجية متعددة، سواء من القوى الإقليمية أو من أطراف محلية تسعى لتوسيع نفوذها. السويداء اليوم تمثل نقطة حساسة في خارطة جنوب سوريا، حيث يمكن لأي تحرك انفصالي أن يخلق فراغًا أمنيًا قد يؤثر على الاستقرار في كامل الجنوب السوري.
اتفاق فض الاشتباك 1974:
يعد اتفاق فض الاشتباك الموقع بين سوريا وإسرائيل عام 1974 أحد الأعمدة الأساسية للحفاظ على الاستقرار في المنطقة، حيث يحدد مناطق الفصل وحقوق الطرفين في الحدود الجنوبية لسوريا. أي انتهاك لهذا الاتفاق، سواء عبر الغارات أو التوغل العسكري الإسرائيلي، يعتبر خرقًا صارخًا للقانون الدولي ويهدد الاستقرار، ليس فقط في الجنوب السوري، بل في كامل المنطقة. الاتفاقية شكلت إطارًا قانونيًا ومرجعية للحد من التصعيد العسكري، وما زالت أي محاولة لتجاوزه تثير ردود فعل عربية ودولية قوية.
تشمل التدخلات الإسرائيلية عمليات جوية متكررة على مواقع استراتيجية جنوب سوريا، إلى جانب توغلات محدودة على الأرض، تستهدف عادة مواقع عسكرية أو مخازن أسلحة. هذه العمليات تقوّض قدرة الدولة السورية على فرض سيطرتها الكاملة على أراضيها، وتخلق حالة من عدم الاستقرار المحلي، كما أنها تشكل ضغطًا إضافيًا على السكان وتزيد من هشاشة الوضع الأمني، خصوصًا في المناطق التي تشهد توترات داخلية أو مطالب انفصالية.
تتداخل في جنوب سوريا مصالح عدة قوى إقليمية، ما يجعل الوضع أكثر تعقيدًا. إيران تدعم النظام السوري عسكريًا وسياسيًا، وتعمل على تعزيز حضورها في الجنوب عبر الميليشيات الحليفة، في حين تسعى تركيا للسيطرة على الشريط الحدودي الشمالي للجنوب السوري لتحقيق أهدافها الأمنية. روسيا تواصل تعزيز وجودها العسكري في مواقع استراتيجية، مستغلة الظروف لتوسيع نفوذها وضمان مصالحها. في المقابل، تشكل السعودية قوة موازنة، داعمة لوحدة الدولة السورية وسعيها لترسيخ سيادتها، ورافضة أي محاولات لتقسيم الأراضي أو إشعال التوترات الداخلية.
يظل المجتمع الدولي مطالبًا بالضغط على جميع الأطراف الخارجية لمنع أي محاولات لتقسيم سوريا أو استغلال الفراغ الأمني في الجنوب. الدعم الدولي للحكومة السورية في جهودها لترسيخ الأمن والاستقرار يمثل عاملًا حاسمًا لاحتواء التوترات ومنع أي تصعيد إقليمي، كما يعكس التزامًا بالقانون الدولي وضرورة حماية سيادة الدولة السورية ووحدة أراضيها.