أدانت وزارة الخارجية السورية التوغل العسكري الذي نفذته قوات إسرائيلية في منطقة بيت جن بريف دمشق يوم الاثنين 25 آب، معتبرةً سيطرة القوة المؤلفة من 11 آلية عسكرية وما يقارب 60 عنصراً على تل “باط الوردة” في سفح جبل الشيخ انتهاكاً صريحاً لسيادة البلاد ووحدة أراضيها. وأوضحت الوزارة في بيان رسمي أن هذا التصعيد يمثل تهديداً مباشراً للسلم والأمن الإقليميين، ويجسد النهج العدواني الذي تنتهجه سلطات الاحتلال الإسرائيلي، في تحدٍ صارخ للقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية التي تحظر التدخل في شؤون الدول الداخلية. وأكدت الخارجية السورية أن استمرار هذه الانتهاكات يقوض أي جهود لتحقيق الاستقرار في المنطقة، ويزيد التوتر بشكل غير مسبوق، داعية الأمم المتحدة ومجلس الأمن لتحمل مسؤولياتهما القانونية والأخلاقية، واتخاذ إجراءات عاجلة لردع إسرائيل عن ممارساتها العدوانية ومساءلتها وفق القانون الدولي.
تفاصيل التوغل ومواجهة المدنيين
تسللت القوة الإسرائيلية إلى أطراف بلدة بيت جن ومزرعتها، تحديدًا في منطقة باط الوردة المطلة على البلدة، أمس الأثنين، وشرعت بإطلاق النار باتجاه الأهالي الذين خرجوا سلمياً للمطالبة بانسحابها. ولم تُسجل إصابات بشرية، لكن الحادث أثار حالة من الرعب بين السكان المحليين، الذين وجدوا أنفسهم مباشرة في مواجهة اعتداء مسلح على أراضيهم.
تل باط الوردة يعد موقعاً استراتيجياً، فهو يوفر مراقبة واسعة لجبل الشيخ وريف دمشق الغربي، بالإضافة إلى ريفي القنيطرة ودرعا، ما يجعل السيطرة عليه مفتاحاً حيوياً لتهديد مسارات حيوية ووضع المدنيين تحت نار مباشرة إذا ما استمرت سيطرة الاحتلال على التل.
وأفادت مصادر محلية أن القوات الإسرائيلية طالبت الأهالي بإرسال ممثلين للتحدث معها، قبل أن تُطلق النار عليهم وتطلب منهم الانصراف، في اعتداء يُعد تجاوزاً لكل الأعراف الإنسانية.
الانسحاب المفاجئ والضغوط الدولية
في اليوم التالي للتوغل، انسحبت القوات الإسرائيلية من تل باط الوردة الاستراتيجي. ويُرجح أن يكون هذا الانسحاب متأثراً بالضغوط الدولية، لا سيما من الولايات المتحدة الأمريكية، التي تسعى لبناء علاقات إيجابية مع الحكومة السورية الجديدة بعد سقوط نظام الأسد. ويعكس هذا الانسحاب مؤشراً على محاولة واشنطن موازنة مصالحها الإقليمية مع الحاجة لخفض التصعيد على الحدود السورية، مع الحفاظ على صورتها كوسيط يمكنه التأثير على الجيش الإسرائيلي.
ورغم الانسحاب، تبقى السيطرة على التل استراتيجية، ويمثل تهديداً محتملاً إذا قررت إسرائيل العودة إليه مستقبلاً، خاصةً مع استمرار التصريحات العدوانية التي صدرت عن وزير الدفاع الإسرائيلي، الذي أكد على ضرورة بقاء القوات الإسرائيلية في المنطقة لحماية مصالح الاحتلال في الجليل والجولان، بذريعة حماية الطائفة الدرزية.
استغلال الفوضى وما بعد الأسد
تجسد هذه الأحداث مشهداً أكبر في سوريا الجديدة بعد سقوط نظام الأسد، حيث تحاول القوى الإقليمية استغلال الفراغ السياسي والتغييرات في الحكومة لتعزيز نفوذها العسكري والسياسي. التوغل الإسرائيلي يشير إلى محاولة فرض واقع ميداني جديد على الحدود السورية، في وقت تعمل فيه الحكومة الجديدة على استعادة السيطرة وتأمين المناطق الحدودية، وسط حضور دولي متنوع يسعى لتوجيه المواقف السياسية بما يخدم مصالحه.
كما يعكس الانسحاب الإسرائيلي اليوم التالي تبايناً بين القوة العسكرية على الأرض والضغط السياسي الدولي، ويطرح تساؤلات حول قدرة إسرائيل على الاستمرار في التوسع الميداني في مواجهة الدبلوماسية الأميركية، التي بدأت تبني جسوراً مع دمشق الجديدة لتأمين مصالحها في المنطقة.
تبعات محلية وإقليمية
الحدث أعاد تسليط الضوء على هشاشة الوضع الأمني في المناطق الحدودية، وضرورة تعزيز قدرات الجيش السوري لضمان حماية المدنيين، وتحصين المناطق الاستراتيجية ضد أي محاولات للتوغل أو الضغط العسكري. كما يبرز أهمية الدور الدولي في ضبط القوى الإقليمية والحد من الانتهاكات، سواء عبر الضغط المباشر أو عبر مؤسسات الأمم المتحدة لضمان احترام السيادة السورية.
ويظل السؤال الأكبر: هل ستستمر إسرائيل في سياسة التوغل والتهديد، أم أن التحرك الدبلوماسي الأميركي سيجبرها على ضبط خطواتها، بما يتيح للحكومة السورية الجديدة فرصة ترسيخ سيادتها وإعادة الأمن إلى المناطق الحدودية؟ المؤكد أن أي تصعيد جديد سيؤثر بشكل مباشر على مستقبل الاستقرار الإقليمي وأمن المدنيين في جنوب سوريا، وسيشكل اختباراً حقيقياً لقدرة دمشق على إدارة تحدياتها بعد سقوط النظام السابق.