في ساعات الصباح الأولى من يوم مأساوي في خان يونس جنوب قطاع غزة، تحوّل مستشفى ناصر إلى مسرح لجريمة بشعة أودت بحياة عشرات المدنيين. غارة إسرائيلية مزدوجة استهدفت المبنى خلال دقائق معدودة، وأسفرت عن مقتل 20 شخصًا على الأقل، من بينهم خمسة صحفيين وعدد من المسعفين والمرضى. الهجوم لم يكن مجرد استهداف لمبنى، بل كان توجيهًا متعمدًا لرسالة عن هشاشة الحماية الدولية للمدنيين والعاملين في المجال الإنساني.
الهجوم المزدوج وقع في دقائق متتالية، واستهدف المبنى نفسه مرتين، وهو ما أثار صدمة واسعة على المستوى الدولي وأعاد تسليط الضوء على المخاطر الهائلة التي يواجهها الصحفيون والكوادر الطبية أثناء تغطية النزاع المستمر في غزة.
وقع الانفجار الأول حوالي الساعة العاشرة صباحًا بالتوقيت المحلي، مستهدفًا المبنى الرئيسي للمستشفى. الضربة الأولى أودت بحياة شخص واحد على الأقل وأدت إلى إصابة آخرين، كما سببت حالة من الذعر والفوضى بين الطاقم الطبي والمرضى. بعد حوالي عشر دقائق، وقع الانفجار الثاني في نفس المكان، مستهدفًا رجال الإنقاذ والصحفيين الذين حضروا لتقديم المساعدة والإخلاء، ما أسفر عن سقوط غالبية الضحايا الآخرين. وصف الطبيب البريطاني الموجود في وحدة العناية المركزة المشهد بأنه "دماء في كل مكان وفوضى مطلقة، ورعب جماعي بين المرضى والطاقم الطبي"، مؤكدًا أن الضربة الثانية أصابت الدرج الرئيسي الذي يجتمع فيه الصحفيون عادة للبث المباشر، ما يجعل استخدام تكتيك "الضربات المزدوجة" مثيرًا للجدل ومؤشرًا على استهداف متعمد لفرق الإغاثة والإعلاميين.
بين الضحايا كان خمسة صحفيين بارزين يمثلون العمود الفقري للتغطية الإعلامية في غزة. حسام المصري، مصور لدى وكالة رويترز، قُتل أثناء تقديمه بثًا مباشرًا من موقع الغارة الأولى. مريم دغا، صحفية مستقلة تعمل مع وكالة أسوشيتد برس، تركت خلفها طفلًا صغيرًا أُجل من غزة في وقت سابق من الحرب. محمد سلامة، الذي كان يعمل مع قناة الجزيرة وميدل إيست آي، كان يخطط للزواج بعد وقف إطلاق النار. كما قُتل الصحفيان الحرّان أحمد أبو عزيز ومعاذ أبو طه، اللذان وثّقا معاناة الأطفال والمرضى قبل أسبوعين فقط من الهجوم. بالإضافة إلى الصحفيين، قتل عدد من المسعفين والمرضى الذين كانوا يتلقون العلاج في المستشفى، ما يعكس خطورة تكتيك الضربات المزدوجة على المدنيين والكوادر الإنسانية.
تأتي هذه الهجمات في ظل قيود صارمة تمنع دخول الصحفيين الدوليين إلى قطاع غزة، ما يجعل المراسلين المحليين العمود الفقري لنقل الحقائق للعالم الخارجي. قتل هؤلاء الصحفيون يحدّ من قدرة الإعلام على توثيق الانتهاكات ويشكل تهديدًا مباشرًا لحرية الصحافة. وتشير إحصاءات لجنة حماية الصحفيين إلى أن أكثر من 190 صحفيًا قُتلوا خلال 22 شهرًا من الحرب، مع الغالبية العظمى من الفلسطينيين، ما يعكس استهداف الصحفيين بشكل ممنهج خلال الصراع.
من جانبها، أعلنت إسرائيل أن الغارة "حادث مأساوي" وأن الجيش يجري تحقيقًا داخليًا شاملًا، دون تقديم تفاصيل واضحة حول سبب الضربة الثانية. تكتيك الضربات المزدوجة، الذي يُستهدف فيه من يصل إلى مكان الغارة الأولى، يثير جدلًا واسعًا على المستوى الدولي باعتباره يزيد من الخسائر البشرية بشكل متعمد. منظمات إعلامية وإغاثية اتهمت إسرائيل باتباع هذا النمط خلال الحرب بشكل ممنهج، مما يضع المجتمع الدولي أمام مسؤولية اتخاذ إجراءات رادعة لضمان حماية المدنيين والصحفيين.
ردود الفعل الدولية على الهجوم كانت سريعة وعنيفة. أدان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الغارة ووصفها بالمروعة، داعيًا إلى تحقيق سريع ونزيه. أعربت بريطانيا وفرنسا وألمانيا عن صدمتها واستنكارها للهجوم، مؤكدين ضرورة حماية المدنيين والصحفيين. وأعرب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن عدم رضاه بعد الاطلاع على تفاصيل الغارة، مؤكدًا أهمية احترام القانون الدولي. منظمات حرية الإعلام شددت على ضرورة وقف استهداف الصحفيين، معتبرة أن الغارة تمثل "نقطة تحول" تتطلب تحركًا عاجلًا من قادة العالم لضمان سلامة المراسلين المحليين.
تأتي هذه الغارة في وقت يواجه فيه قطاع غزة أزمة إنسانية متفاقمة، حيث يواجه نصف مليون شخص ظروفًا كارثية من الجوع ونقص الغذاء والمياه والخدمات الطبية الأساسية، وفق تقارير الأمم المتحدة. استهداف المستشفيات يزيد من معاناة المدنيين ويعرقل تقديم الخدمات الصحية، ويجعل القطاع أكثر هشاشة أمام استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية، مما يفاقم الأزمة الإنسانية ويهدد حياة آلاف المدنيين.
تكتيك الضربات المزدوجة يمثل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني، إذ يحظر استهداف المدنيين والعاملين في المجال الطبي والصحفيين. استهداف المستشفيات والكوادر الإنسانية قد يُصنف ضمن الجرائم ضد الإنسانية إذا ثبتت النية في توجيه الضربات بشكل متعمد نحو المدنيين، وهو ما يرفع مستوى المخاطر القانونية والسياسية أمام إسرائيل.
في النهاية، الغارة المزدوجة على مستشفى ناصر ليست مجرد حادثة عابرة، بل تعكس واقعًا مأساويًا لتفاقم النزاع الإسرائيلي–الفلسطيني وانتهاك القانون الدولي الإنساني، مع آثار كارثية على المدنيين والكوادر الإنسانية والصحفيين. الحادث يسلط الضوء على الحاجة الماسة لتدخل دولي عاجل لحماية المدنيين وفرض مساءلة حقيقية على الانتهاكات المستمرة، ويؤكد هشاشة الضمانات القانونية في النزاعات المسلحة، ويضع المجتمع الدولي أمام اختبار حقيقي في حماية حياة المدنيين والصحفيين أثناء الحروب.
ويشهد قطاع غزة، موجات متكررة من القصف على البنية التحتية المدنية، بما فيها المستشفيات والمراكز الصحية الحيوية. تعتبر المستشفيات في غزة ملاذًا أساسيًا للمدنيين، حيث تقدم خدمات الطوارئ، العناية المركزة، الجراحة، وعلاج الجرحى من العمليات العسكرية. استهداف هذه المنشآت يشكل انتهاكًا مباشرًا للقانون الدولي الإنساني، الذي يحظر استهداف المدنيين والمرافق الطبية أثناء النزاعات المسلحة.
أحد أكثر التكتيكات إثارة للجدل في النزاع هي ما يعرف بـ"الضربات المزدوجة"، حيث يتم قصف الموقع مرة أولى، ثم استهداف فرق الإنقاذ والطواقم الطبية والإعلاميين الذين يحضرون بعد الغارة الأولى. هذه الطريقة تزيد من الخسائر البشرية وتعرض المدنيين للعنف المتعمد، وتعتبر خرقًا صارخًا للقوانين الدولية التي تحمي المنشآت الطبية والعاملين فيها.
تقارير الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان توثق باستمرار قصف المستشفيات في غزة. على سبيل المثال، خلال الحرب الأخيرة، أُفيد بأن أكثر من 20 منشأة طبية تعرضت للقصف، ما أدى إلى مقتل العشرات من الطواقم الطبية والمرضى. هذه الحوادث أدت إلى تعطيل الخدمات الطبية الحيوية، وارتفاع عدد الضحايا المدنيين، وتعقيد وصول المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين، مما يزيد من عمق الأزمة الإنسانية في القطاع.
الصحفيون الذين يغطيون هذه العمليات يصبحون أيضًا هدفًا ضمن هذه الغارات، خصوصًا مع القيود المفروضة على دخول الصحفيين الدوليين إلى غزة، ما يجعل المراسلين المحليين العمود الفقري لنقل الأخبار. استهدافهم يقلص القدرة على توثيق الانتهاكات، ويهدد حرية الإعلام، ويزيد من المعاناة الإنسانية، إذ يصبح المدنيون بلا شهود يوثقون ما يحدث لهم.
من الناحية القانونية، يعتبر استهداف المستشفيات جريمة حرب إذا ثبتت النية في استهداف المدنيين أو تعطيل الخدمات الطبية. الاستهداف المتكرر للمستشفيات يعكس تجاهلًا واضحًا لالتزامات إسرائيل تجاه القانون الدولي الإنساني، ويضع المجتمع الدولي أمام مسؤولية ضمان مساءلة المسؤولين عن هذه الانتهاكات، بما في ذلك الضربات المزدوجة التي تستهدف فرق الإغاثة والطواقم الطبية بعد وصولهم لمواقع القصف.
تظل مستشفيات غزة في قلب الصراع الإنساني، حيث تواجه تحديات هائلة في الحفاظ على عملها وسط القصف المتكرر، ونقص الإمدادات الطبية، وتهديد حياة المرضى والعاملين، ما يجعل كل غارة على منشأة طبية مأساة جديدة تضاف إلى سلسلة الانتهاكات المتكررة بحق المدنيين.