أعاد وزير الدفاع الإسرائيلي إسرائيل كاتس تأكيد تمسّك تل أبيب ببقائها العسكري في قمة جبل الشيخ (المعروف إسرائيليًا بجبل هرمون) وبالمنطقة العازلة داخل الأراضي السورية، معتبرًا أن هذا الوجود يشكل ركيزة في استراتيجية الأمن القومي الإسرائيلي. التصريحات التي صدرت في 26 أغسطس/آب 2025 حملت أيضًا بعدًا إنسانيًا معلنًا، إذ ربط كاتس استمرار الانتشار العسكري بمسؤولية الجيش الإسرائيلي عن "حماية الطائفة الدرزية في سوريا"، الأمر الذي يفتح الباب أمام تساؤلات حول الدوافع الحقيقية وراء هذا التموضع.
يمثل جبل الشيخ نقطة مراقبة عسكرية متقدمة، نظرًا لارتفاعه الشاهق وإطلالته على مساحات واسعة من سوريا ولبنان وحتى الداخل الفلسطيني المحتل. تاريخيًا، كان هذا الجبل محورًا للصراع العربي–الإسرائيلي منذ حرب 1967 حين احتلت إسرائيل أجزاء واسعة من الجولان السوري. بقاء الجيش الإسرائيلي في هذه النقطة يتيح له السيطرة على الاتصالات وجمع معلومات استخباراتية متقدمة، فضلاً عن ردع أي تحركات عسكرية من الجانب السوري أو حزب الله في لبنان.
إلى جانب التمسك بجبل الشيخ، أكد كاتس أن إسرائيل ستواصل وجودها في "المنطقة العازلة" على الجانب السوري من الحدود. هذه المنطقة أُنشئت بقرارات دولية بعد اتفاقيات فصل القوات عقب حرب أكتوبر 1973، لكن إسرائيل تعيد تكييفها وفق منظورها الأمني الخاص. فبينما يفترض أن تكون المنطقة تحت إشراف قوات الأمم المتحدة (الأندوف)، فإن تل أبيب تمارس عمليًا نفوذًا مباشرًا فيها بحجة مواجهة تهديدات من الميليشيات الإيرانية وحزب الله.
"حماية الطائفة الدرزية": خطاب أمني أم ورقة سياسية؟
اللافت في تصريحات كاتس كان تأكيده أن إسرائيل ملتزمة بحماية الطائفة الدرزية في سوريا. هذا التصريح يعكس إدراكًا لحساسية الموقف الطائفي في المنطقة، خاصة أن الدروز في الجولان المحتل يحتفظون بروابط وثيقة مع أبناء طائفتهم في سوريا. في الوقت نفسه، يرى محللون أن إسرائيل تستخدم هذه الورقة كذريعة لتبرير وجودها العسكري وتلميع صورتها أمام المجتمع الدولي باعتبارها "حامية للأقليات"، في حين يبقى الهدف الأعمق هو تكريس سيطرتها على مناطق استراتيجية.
يثير هذا الموقف الإسرائيلي تساؤلات حول مستقبل الهدوء النسبي في جبهة الجولان. فالتشبث بالبقاء العسكري قد يفاقم التوتر مع دمشق، ويعزز مخاوف من مواجهة مباشرة إذا ما رأت سوريا أو حلفاؤها في حزب الله وإيران أن إسرائيل تتجاوز الأطر التي وضعتها الاتفاقيات الدولية. كما أن استخدام ورقة "حماية الدروز" قد يضع الطائفة نفسها في موقف معقد بين ولاءات وطنية سورية وضغوط إسرائيلية، وهو ما قد يفاقم هشاشة الوضع الاجتماعي في المنطقة الحدودية.
جبل الشيخ كان دومًا أحد أهم محاور الصراع العربي–الإسرائيلي. ففي حرب أكتوبر 1973، شنّت القوات السورية هجومًا لاستعادة السيطرة على قمته، ونجحت مؤقتًا قبل أن تعود إسرائيل وتفرض سيطرتها بعد أيام قليلة. منذ ذلك الحين، اعتبرته تل أبيب "عينها التي لا تنام" في مواجهة سوريا ولبنان. أما المنطقة العازلة، فقد كانت نتاج اتفاق فك الاشتباك عام 1974، لكن التطورات الأخيرة في الحرب السورية أدت إلى إضعاف دور قوات الأمم المتحدة، ما سمح لإسرائيل بتعزيز حضورها المباشر.
تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي حول جبل الشيخ والمنطقة العازلة تعكس أكثر من مجرد سياسة أمنية، إذ ترتبط برؤية استراتيجية لتثبيت النفوذ الإسرائيلي في نقاط تماس حيوية. وبينما تقدّم تل أبيب هذه الخطوة باعتبارها حماية لأمنها القومي ورعاية للأقليات، يراها خصومها استمرارًا لسياسة الاحتلال والتدخل في شؤون الجوار. ومع غياب أفق لحل سياسي شامل، يبدو أن هذه المنطقة ستبقى مرشحة لمزيد من التوتر، وقد تتحول إلى ساحة اختبار جديدة بين إسرائيل ومحور المقاومة.