اعتقلت الشرطة الإسرائيلية في القدس رجلًا بتهمة تخريب جدار كنيسة القيامة بعد أن كتب عبارة "هناك محرقة في غزة"، في حادثة جديدة تضع المدينة المقدسة في قلب الجدل بين السياسة والدين. وتأتي هذه الواقعة بعد أسابيع قليلة من تكرار العبارة نفسها على حائط البراق، ما يثير تساؤلات حول ما إذا كانت هذه الأحداث تعكس اتجاهًا متناميًا في توظيف الرموز الدينية والتاريخية للتعبير عن مواقف سياسية مرتبطة بالحرب الدائرة في قطاع غزة.
أوضحت الشرطة الإسرائيلية أنها ألقت القبض على الرجل فورًا بعد ضبطه يخط العبارة على جدار كنيسة القيامة، وأشارت إلى أن التحقيق جارٍ لمعرفة خلفيته ودوافعه، وما إذا كان مرتبطًا بجماعات أو يتحرك بدافع شخصي. الحادثة أثارت ردود فعل متباينة، إذ اعتبرها البعض اعتداءً على مكانة دينية بالغة الحساسية، بينما نظر إليها آخرون بوصفها صرخة احتجاجية تحمل دلالات سياسية عميقة في ظل استمرار الحرب على غزة.
اللافت في الحادثة هو اختيار أماكن مقدسة – حائط البراق أولًا، ثم كنيسة القيامة – لكتابة الشعار. فهذه المواقع ليست مجرد جدران، بل تُعدّ رموزًا راسخة في الوعي الديني والتاريخي للمسيحيين واليهود على حد سواء. كتابة عبارة من هذا النوع على جدار الكنيسة تطرح إشكالية مزدوجة: من جهة تمثل تعديًا على حرمة موقع ديني عالمي، ومن جهة أخرى تعكس توظيف الرمزية الدينية لإيصال رسالة سياسية تتعلق بالحرب في غزة. وهذا الاستخدام المقصود للفضاء الديني يضاعف وقع الرسالة ويحوّلها إلى فعل استفزازي يلامس أكثر النقاط حساسية في المجتمع الإسرائيلي.
العبارة "هناك محرقة في غزة" تحمل وزنًا تاريخيًا وثقافيًا ضخمًا داخل إسرائيل، إذ تستحضر ذكرى المحرقة النازية (الهولوكوست) وما تمثله من مأساة كبرى في التاريخ اليهودي. وضع هذه العبارة في سياق الحرب على غزة لا يعد مجرد نقد للعمليات العسكرية، بل هو تشبيه مباشر بين ما يعانيه الفلسطينيون اليوم وما تعرض له اليهود في الماضي. هذا التشبيه يثير استياءً واسعًا في إسرائيل، حيث يُنظر إليه كمسٍّ بالذاكرة الجماعية وتشويه لمعنى المحرقة، لكنه في الوقت نفسه يجد صدى لدى بعض الأصوات المعارضة للحرب، باعتباره وسيلة جريئة لوصف حجم المأساة الإنسانية في القطاع.
تكشف هذه الحوادث عن عمق الشرخ داخل المجتمع الإسرائيلي في زمن الحرب، حيث باتت الذاكرة التاريخية نفسها موضع صراع. بالنسبة لكثير من الإسرائيليين، تُعتبر المحرقة حدثًا لا يقبل المقارنة أو المساواة بأي سياق آخر، لكن بالنسبة لآخرين – داخل إسرائيل وخارجها – فإن الحرب المستمرة في غزة وما خلّفته من دمار وقتل تجعل من المقارنة وسيلة رمزية لتسليط الضوء على المأساة الفلسطينية. اختيار رموز دينية كمنصات لهذه الرسائل يعكس انتقال النقاش السياسي من ساحات الإعلام والسياسة إلى فضاءات عامة ودينية، ما يعمّق من خطورة المشهد.
منذ اندلاع الحرب على غزة، شهدت إسرائيل حالة من الاحتقان الداخلي انعكست في تزايد الجرائم وأعمال التخريب ذات البعد السياسي. خلال الأسابيع الماضية، انتشرت عبارة "هناك محرقة في غزة" لأول مرة على حائط البراق، ما دفع السلطات إلى تشديد الإجراءات الأمنية في المواقع الدينية. ويشير تكرار الشعار الآن في كنيسة القيامة إلى أن الظاهرة ليست حدثًا فرديًا معزولًا، بل ربما مؤشر على موجة من الاحتجاج الرمزي، خاصة أن هذه العبارات تختار مواقع بالغة الحساسية لتضخيم وقعها وإثارة الجدل العام. وتبقى التساؤلات مفتوحة حول ما إذا كانت هذه الأحداث ستتكرر في مواقع أخرى، وكيف ستتعامل السلطات الإسرائيلية معها في ظل أجواء سياسية وأمنية متوترة.
الحادثة لا تقف عند حدود الداخل الإسرائيلي فقط، بل قد تترك أثرًا على صورة إسرائيل أمام العالم، وخصوصًا في الدوائر المسيحية الغربية التي تولي اهتمامًا كبيرًا بمكانة القدس وحرمة كنيسة القيامة باعتبارها أحد أهم المزارات المسيحية عالميًا. كتابة شعارات سياسية مرتبطة بالحرب في غزة على جدران هذا الموقع الديني يثير قلق الكنائس العالمية وقد يُفسَّر كجزء من حالة الانفلات في إسرائيل تجاه الرموز الدينية. كما أن استخدام تعبير "محرقة" يضاعف من حساسية الموقف، إذ يضع إسرائيل أمام مأزق أخلاقي في الخطاب الدولي، ويعزز الأصوات التي تتهمها بارتكاب انتهاكات جسيمة في غزة. في هذا السياق، يبدو أن الحادث لن يكون مجرد قضية جنائية محلية، بل سيُستثمر في الجدل الدولي حول الحرب والصراع على الرواية التاريخية والإنسانية.