في خطوة وُصفت بأنها الأكثر جرأة منذ سنوات، أعلن صندوق التقاعد الحكومي النرويجي، وهو أكبر صندوق ثروة سيادي في العالم بقيمة تقارب تريليوني دولار، عن سحب استثماراته من شركة كاتربيلر الأميركية وخمسة بنوك إسرائيلية. القرار جاء بناءً على توصية "المجلس الأخلاقي" التابع للصندوق، الذي اعتبر أن هذه المؤسسات متورطة بشكل مباشر أو غير مباشر في انتهاكات جسيمة لحقوق الفلسطينيين، خصوصًا في قطاع غزة والضفة الغربية.
وفق البيانات المعلنة، بلغت حصة الصندوق في كاتربيلر نحو 2.1 مليار دولار حتى 30 يونيو الماضي، أي ما يعادل 1.17% من أسهم الشركة. أما استثماراته في البنوك الإسرائيلية الخمسة – وهي بنك هبوعليم، بنك لئومي، بنك ميزراحي تفاهوت، البنك الدولي الأول، وفيفي القابضة – فقد بلغت قيمتها الإجمالية نحو 661 مليون دولار.
هذا الانسحاب يعكس تغيرًا جوهريًا في سياسات الاستثمار النرويجية تجاه الشركات التي يُعتقد أنها تقدم دعماً مادياً أو لوجستياً لبنية الاستيطان أو العمليات العسكرية الإسرائيلية.
من الجرافات إلى البنوك
كاتربيلر: أشار المجلس الأخلاقي إلى أن جرافات الشركة استُخدمت على نطاق واسع في تدمير منازل الفلسطينيين والبنى التحتية المدنية في غزة والضفة، دون أن تتخذ الشركة خطوات كافية لتقليص هذا الاستخدام.
البنوك الإسرائيلية: رُبطت بخدمات مالية تسهّل مشاريع البناء في المستوطنات الإسرائيلية، ما يجعلها – وفق التوصيف النرويجي – "طرفًا مساهمًا في استمرار انتهاك حقوق الإنسان".
القرار لم يكن معزولًا عن السجال السياسي الداخلي. فقد جاء قبل أسبوعين من الانتخابات العامة المقررة في 8 سبتمبر، في وقت تضغط فيه أحزاب يسارية على الحكومة لدفع الصندوق نحو سحب كامل من الاستثمارات الإسرائيلية. ورغم ذلك، فإن حكومة يسنس ستور شددت على ضرورة تحقيق توازن بين المبادئ الأخلاقية ومكانة الصندوق كأداة اقتصادية مستقلة.
اللافت أن عدد الشركات الإسرائيلية المدرجة في محفظة الصندوق انخفض سريعًا من 61 إلى 33 خلال أسابيع قليلة، ما يضع استثمارات إسرائيل تحت مجهر غير مسبوق.
رغم غياب تعليق رسمي مباشر من الجانب الإسرائيلي حتى الآن، إلا أن مثل هذه القرارات تُفاقم عزلة إسرائيل المالية والدبلوماسية، وتثير مخاوف من أن تتحول صناديق سيادية أخرى – أوروبية وآسيوية – إلى اتباع النهج ذاته. كما يراه مراقبون جزءًا من "تآكل الشرعية الاقتصادية" لإسرائيل بسبب حرب غزة وسياسات الاستيطان.
يُعد صندوق التقاعد النرويجي أكبر مستثمر مؤسسي في العالم، وقد تأسس في تسعينيات القرن الماضي لإدارة عائدات النفط والغاز. منذ سنوات، اتخذ الصندوق سياسة استبعاد للشركات المتورطة في انتهاكات حقوقية أو بيئية، وكان من أبرزها شركات التبغ وصناعات السلاح. أما تجاه إسرائيل، فقد بقي الموقف مترددًا نسبيًا، إلى أن فجّرت حرب غزة الأخيرة موجة ضغوط سياسية وشعبية دفعت المجلس الأخلاقي إلى تشديد معاييره.