سوريا بين المركزية واللامركزية… طريق محفوف

رزان الحاج

2025.08.25 - 04:32
Facebook Share
طباعة

 تطرح الأزمة السورية اليوم تساؤلات حادة حول مستقبل الدولة المركزية، خصوصًا في ظل مطالب بعض المناطق بالحكم الذاتي وتنامي الأصوات المطالبة باللامركزية. المبعوث الأمريكي إلى سوريا، توماس براك، أشار إلى أن البلاد قد تحتاج إلى بدائل أقل صرامة من الفيدرالية التقليدية، تسمح لجميع المكونات بالحفاظ على وحدتها وهويتها الثقافية واللغوية، بعيدًا عن أي هيمنة من جماعات الإسلام السياسي، على حد قوله.


وبحسب صحيفة “واشنطن بوست”، فإن الصراع المستمر في سوريا، خاصة بين حكومة دمشق و”قوات سوريا الديمقراطية” المدعومة أمريكيًا، يغذي المطالب المتزايدة للأقليات بالحكم الذاتي. كما أن العنف المستمر في مناطق متعددة يزيد من صعوبة الحفاظ على وحدة الدولة في ظل نموذج مركزي صارم، ويضع الاستقرار السياسي على المحك.


المركزية مقابل المطالب المحلية
الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، يسعى لإقامة دولة مركزية تقودها دمشق، مشابهة للنموذج الذي تزعزع خلاله الصراع الهيكلي السابق لسوريا. غير أن موجات العنف المتجددة تهدد هذه الخطط، إذ لم يعد من الممكن تجاهل مطالب الشمال الشرقي والجنوب، حيث تطالب مناطق مثل شمال شرق سوريا والسويداء باللامركزية أو حتى الاستقلال الجزئي عن دمشق.


وفي الوقت نفسه، لا ترفض الحكومة السورية جميع أشكال اللامركزية. فوفق مدير الشؤون الأمريكية في وزارة الخارجية السورية، قتيبة إدلب، فإن الدولة تتبنى “اللامركزية الإدارية” كأساس في إدارة المناطق، مؤكّدًا أن المشكلة في المركزية السورية كانت سياسية بالدرجة الأولى وليست قانونية.


“الإدارة الذاتية” والموقف من الانتخابات
في خطوة تصعيدية، أصدرت “الإدارة الذاتية” في شمال شرقي سوريا بيانًا رفضت فيه الانتخابات البرلمانية المقررة، معتبرة إياها إجراء شكليًا لا يعكس إرادة السوريين، ويستثني نصف السكان بفعل التهجير القسري والسياسات الإقصائية. واعتبرت الإدارة أن أي قرارات أحادية لا تمثل مناطق شمال شرق سوريا، داعية المجتمع الدولي إلى عدم الاعتراف بهذه الانتخابات، ومشددة على ضرورة مسار سياسي شامل يضمن مشاركة جميع المكونات في تقرير مستقبل البلاد.


ويأتي هذا الموقف بالتوازي مع تأجيل الانتخابات في محافظات الرقة والحسكة والسويداء، وهو ما يعكس الصعوبة في تنفيذ أي خطة انتخابية شاملة على الأرض السورية، نظرًا لتباين المصالح بين الحكومة المركزية والفصائل المحلية والأقليات العرقية والدينية.


جهود أمريكية للتخفيف من التوتر
على صعيد آخر، أجرى المبعوث الأمريكي لقاءات مع قادة الطائفة الدرزية، وخصوصًا الشيخ موفق طريف في إسرائيل، لمناقشة الأوضاع في محافظة السويداء وسبل تهدئة التوترات. ووصف براك اللقاء بأنه “ودي ومثمر”، مؤكدًا أن الولايات المتحدة تعمل مع جميع الشركاء المحليين والإقليميين لدفع جهود الاستقرار والحد من التصعيد، مع مراعاة حماية المدنيين والتوازنات المحلية.


تحليل الموقف
سوريا اليوم تواجه معضلة مركبة بين المحافظة على وحدة الدولة وضرورة الاستجابة لمطالب الأقليات بالمشاركة السياسية والحكم المحلي. نموذج الدولة المركزية الصارم الذي تريده دمشق قد لا يكون مستدامًا إذا لم يتم تعديل الصلاحيات للجهات المحلية، خصوصًا في الشمال الشرقي والجنوب. في المقابل، اللامركزية المفرطة قد تؤدي إلى تفتيت الدولة وتفشي النفوذ الخارجي، كما رأينا في السنوات الماضية مع تدخل قوى إقليمية ودولية.


الحل الأمثل قد يكمن في نموذج وسيط أقل من الفيدرالية، يمنح بعض الصلاحيات للأقاليم المحلية، مع الاحتفاظ بوحدة الدولة وسلطة الحكومة المركزية على السياسة الدفاعية والمالية، وهو ما ينسجم مع مقترحات براك الأمريكية. ومع ذلك، فإن تنفيذ أي نموذج جديد يتطلب توافقًا داخليًا صعبًا، خصوصًا مع استمرار النزاع العسكري وتباين مصالح القوى المحلية والإقليمية.

 

في النهاية، المسار السياسي السوري يتطلب مزيجًا دقيقًا من اللامركزية الإدارية والمشاركة الشاملة للأقليات، إلى جانب سياسات تحقق الاستقرار دون تفتيت الدولة. الفشل في ذلك قد يؤدي إلى مزيد من الاحتقان، وربما صراعات جديدة تهدد أي جهود لإعادة الإعمار وتحقيق السلام.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 2 + 9