صراع البقاء السياسي: لابيد يهاجم وغانتس يناور ونتنياهو يماطل

وكالة أنباء آسيا

2025.08.25 - 09:34
Facebook Share
طباعة

منذ اندلاع الحرب على غزة، تحولت قضية الأسرى الإسرائيليين إلى واحدة من أكثر الملفات حساسية وتعقيداً داخل المجتمع الإسرائيلي. لم تعد المسألة إنسانية أو تفاوضية فحسب، بل أصبحت مدخلاً لانقسام سياسي داخلي يهدد استقرار الائتلاف الحاكم ويفتح شهية المعارضة للضغط.

تصريحات زعيم المعارضة يائير لابيد الأخيرة جاءت لتصب الزيت على النار، متهماً الحكومة الإسرائيلية بالتلاعب بينما "المختطفون يموتون"، وهو تصريح يعكس حجم الفجوة المتزايدة بين الحكومة والمعارضة، وبين القيادة والعائلات، وبين الطموح السياسي والواقع العسكري.


لابيد يرفع السقف

يائير لابيد، زعيم المعارضة، اختار خطاباً صادماً ومباشراً. حين يقول إن "هناك خطة وافقت عليها حماس لكن الحكومة تتلاعب"، فهو لا يتحدث عن مجرد إخفاق في التفاوض، بل يتهم نتنياهو ووزراءه بالانشغال بالمزايدات السياسية على حساب حياة الأسرى.

لابيد رفض دعوة بيني غانتس لتشكيل "حكومة إنقاذ الأسرى"، لأنه يدرك أن الدخول في حكومة تضم بن غفير وسموتريتش سيضر بمكانته كزعيم معارضة ويجعله شريكاً في الفشل.

هو يطرح بدلاً من ذلك "شبكة أمان خارجية" لحكومة نتنياهو، أي أن حزبه يمكن أن يوفر الدعم البرلماني لأي اتفاق تبادل دون أن يكون جزءاً من الحكومة.

في هذا الطرح، يكشف لابيد عن استراتيجية مزدوجة: الحفاظ على خطابه المعارض لنتنياهو مع إبقاء الباب مفتوحاً أمام إنجاز صفقة قد تحسب له سياسياً لاحقاً.


لكن الأكثر أهمية هو وصفه لتحركات الحكومة بأنها "هراء". هذه الكلمة بحد ذاتها تلخص الاحتقان داخل الساحة السياسية، حيث لم يعد خطاب المعارضة مجرد انتقاد بل اتهام مباشر بالعبث والتلاعب.


غانتس و"حكومة إنقاذ الأسرى"

دعوة بيني غانتس لتشكيل حكومة جديدة لمدة ستة أشهر تكشف عن محاولة لإعادة التموضع. فهو يدرك أن نتنياهو غارق في مأزق مزدوج: ضغط داخلي من العائلات، وضغط خارجي من واشنطن والوسطاء.

غانتس أراد أن يظهر بمظهر "رجل الدولة"، العاقل الذي يطرح حلاً مؤقتاً يتجاوز الانقسامات ويعطي الأولوية للأسرى.

لكنه في الوقت ذاته لا يغفل عن حساباته الانتخابية؛ إذ يعلم أن أي انتخابات مبكرة قد تفتح الباب لعودته كلاعب محوري في السياسة الإسرائيلية.

خطوته هذه واجهت رفضاً سريعاً من لابيد، ما يكشف عن أزمة ثقة حتى بين أركان المعارضة نفسها، حيث يتوجس كل طرف من أن يتحول الآخر إلى البديل المفضل للإسرائيليين بعد نتنياهو.

 

نتنياهو بين المماطلة والبقاء السياسي

رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يبدو وكأنه يشتري الوقت. فهو يوازن بين إرضاء شركائه اليمينيين المتطرفين، بن غفير وسموتريتش، وبين الضغوط الأمريكية والمصرية والقطرية لإبرام صفقة.

نتنياهو يعرف أن صفقة الأسرى قد تعني وقفاً للحرب أو تهدئة طويلة، وهو أمر قد يفسره شركاؤه في اليمين على أنه تنازل خطير.

في المقابل، استمرار الحرب مع فشل استعادة الأسرى يضعه تحت نيران الغضب الشعبي.

لذلك يفضل المناورة، وتأجيل اتخاذ قرار حاسم، تاركاً الساحة مشتعلة بين المعارضة والعائلات والجيش.

هذه الاستراتيجية تمنحه وقتاً قصيراً، لكنها على المدى الطويل تزيد من هشاشة موقعه وتعمق الانقسامات داخل إسرائيل.


العائلات في مواجهة الدولة

لا يمكن فهم الأزمة دون التوقف عند موقف عائلات الأسرى. هؤلاء أصبحوا قوة ضغط سياسية وشعبية، ينظمون المظاهرات، ويحتلون العناوين، ويتهمون الحكومة بالفشل.

تصريحات لابيد عن "المختطفين يموتون" تجد صدى قوياً لدى هذه العائلات التي فقدت الثقة في الحكومة.

بعض العائلات ترى في غانتس أملاً، بينما آخرون يتمسكون بأي فرصة، حتى لو جاءت من المعارضة.

هذه الفجوة بين العائلات والحكومة تجعل الملف أكثر تفجراً، إذ لم يعد مجرد قضية تفاوض بل أزمة شرعية للدولة أمام مواطنيها.

 

المعارضة وتشتتها الداخلي

المشهد الإسرائيلي يكشف أن المعارضة نفسها ليست على قلب رجل واحد:

لابيد يرفض الدخول في حكومة مع المتطرفين.

غانتس يريد "حكومة إنقاذ".

ليبرمان يطرح نفسه كصوت عقلاني لكنه في الوقت ذاته يرفض منح نتنياهو أي مكسب.

زانير (الذي يمثل تياراً أكثر اعتدالاً) يحاول التوازن بين دعم العائلات والحفاظ على خطابه السياسي.


هذا التشتت يضعف المعارضة، ويعطي نتنياهو مساحة أكبر للمناورة، لكنه في الوقت ذاته يكشف عن أزمة قيادة بديلة داخل إسرائيل.


الانعكاسات الإقليمية والدولية

الأزمة لا تنحصر داخل إسرائيل. واشنطن تراقب عن كثب، لأنها ترى أن استمرار الانقسام الداخلي يعطل أي تقدم في المفاوضات. كما أن الوسطاء في القاهرة والدوحة يجدون أنفسهم أمام مشهد إسرائيلي غير مستقر، حيث لا يعرفون مع من يتعاملون.

بالنسبة لحماس، هذه الانقسامات تمثل ورقة قوة؛ فهي تدرك أن أي خلاف داخل إسرائيل يضعف قدرة الحكومة على المناورة.

بالنسبة للولايات المتحدة، استمرار الفوضى قد يدفعها لممارسة ضغط مباشر على نتنياهو، أو حتى دعم فكرة حكومة بديلة أكثر براغماتية.

 

معركة الرأي العام

داخل إسرائيل، ينقسم الرأي العام بين تيارين:

تيار يرى أن "إنقاذ الأسرى" يجب أن يكون الأولوية، حتى لو كان الثمن وقف الحرب.

وتيار آخر، مدفوع بخطاب اليمين، يرى أن الحرب يجب أن تستمر حتى "تحقيق النصر"، حتى لو كان ذلك على حساب حياة الأسرى.


هذه الثنائية تجعل من الملف مادة قابلة للانفجار السياسي في أي لحظة، خصوصاً إذا تكشفت معلومات عن وفاة المزيد من المختطفين.


إسرائيل في مأزق مزدوج

الأزمة الراهنة تكشف أن إسرائيل تعيش مأزقاً مزدوجاً: مأزق القيادة السياسية المنقسمة، ومأزق الثقة المتآكلة بين الدولة ومواطنيها.

لابيد يرفع لواء الهجوم المباشر.

غانتس يناور بخطاب "المنقذ".

نتنياهو يماطل للبقاء.

العائلات تصرخ طلباً للحياة.


لكن وسط كل ذلك، يبقى الأسرى هم الحلقة الأضعف، والورقة الأكثر تكلفة في معركة سياسية لا يبدو أن نهايتها قريبة.


 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 3 + 5