تصاعدت الضغوط على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الأسابيع الأخيرة، مع تزايد الغضب الشعبي على خلفية استمرار العمليات العسكرية في قطاع غزة وتأخر صفقة تبادل الأسرى. فقد أكدت هيئة عائلات المحتجزين الإسرائيليين أن هناك اتفاقًا جاهزًا على الطاولة لإعادة ذويهم، محذرة من أن أي تأجيل يعرّض حياتهم لمخاطر جسيمة. هذه التصريحات تأتي في وقت يتزايد فيه الانقسام السياسي الداخلي حول جدوى استمرار الحرب مقابل السعي لإتمام الصفقة التي تهدف إلى إعادة نحو خمسين محتجزًا.
الواقع أن نتنياهو يجد نفسه أمام معضلة مزدوجة: الرغبة في الحفاظ على موقفه العسكري من جهة، والضغط الشعبي والسياسي لإنهاء الأزمة من جهة أخرى، وهو ما يجعل قرار قبول الصفقة أو رفضها اختبارًا سياسيًا حقيقيًا لقدرات قيادته.
الضغوط العائلية والمجتمعية: صوت المحتجزين
تلعب هيئة عائلات المحتجزين دورًا مركزيًا في الضغط على الحكومة. فقد صرحت الهيئة أن "ليس من حق رئيس الوزراء الاستمرار في حرب لا تنتهي"، مؤكدة أن أغلبية الإسرائيليين يطالبون باتفاق شامل يعيد ذويهم ويضع حدًا للأزمة الإنسانية. هذه المطالب تعكس تحولًا في المزاج العام داخل إسرائيل، حيث بدأ الرأي العام يشكك في جدوى العمليات العسكرية في ظل المخاطر المتصاعدة على حياة المدنيين والأسرى على حد سواء.
الضغط العائلي ليس مجرد صرخة إنسانية، بل أصبح عاملًا سياسيًا مؤثرًا على صعيد اتخاذ القرار الحكومي، خصوصًا مع ظهور مؤشرات على تقاطع هذا الضغط مع مواقف المؤسسة العسكرية ورئيس الأركان.
الموقف العسكري: الجيش وإعداد الصفقة
خلال زيارة للقاعدة البحرية في حيفا، شدد رئيس الأركان إيال زامير على أن خطة "فيتكوف المحسّنة" تشكل أساسًا لاتفاق محتمل. وحذر زامير من أن استمرار العمليات العسكرية داخل غزة يزيد من المخاطر على حياة المحتجزين، مؤكدًا أن الجيش قد أعد كل الظروف اللازمة لإتمام الصفقة، والقرار الآن بيد رئيس الوزراء.
هذا الموقف يعكس توجهًا داخليًا داخل الجيش للضغط على القيادة السياسية نحو حل تفاوضي، يوازن بين الأمن العسكري والحفاظ على حياة المحتجزين، ويشير إلى وجود إدراك متزايد داخل المؤسسة العسكرية بأن استمرار العمليات العنيفة قد يكون له تكلفة إنسانية وسياسية عالية.
الجدل السياسي الداخلي: التوازن بين الحرب والصفقة
المشهد السياسي الإسرائيلي أصبح معقدًا بشكل متزايد. فقد ارتفعت الأصوات المعارضة لنتنياهو داخل حزبه وخارجه، متهمة الحكومة بالمماطلة في إنهاء الأزمة. يرى مراقبون أن رفض الصفقة قد يؤدي إلى تفاقم الانقسام الداخلي ويزيد من حدة الأزمة الإنسانية، في حين أن الموافقة على الصفقة ستوفر هدنة سياسية مؤقتة وتحافظ على حياة المحتجزين.
هذا الجدل يضع نتنياهو في موقف صعب، حيث يحتاج إلى موازنة بين الضغط الشعبي لإنهاء الأزمة والحسابات السياسية الاستراتيجية التي قد تؤثر على شعبيته ومستقبله السياسي.
أبعاد الصفقة الإنسانية والسياسية
الصفقة المقترحة ليست مجرد تبادل أسرى، بل تحمل أبعادًا إنسانية وسياسية بالغة. إذ ستعيد نحو خمسين محتجزًا إلى ذويهم، وتخفف من التوتر الداخلي، بينما أي تأجيل أو رفض قد يؤدي إلى تفاقم الأزمة ويزيد من الخسائر البشرية.
على الصعيد السياسي، توفر الصفقة مؤشرًا على قدرة إسرائيل على إدارة أزمات الصراع مع حماس عبر قنوات تفاوضية، دون الاعتماد الكامل على القوة العسكرية، كما أنها قد تعيد ترتيب مواقف الأطراف الإقليمية والدولية تجاه الأزمة.
السيناريوهات المحتملة للأيام المقبلة
يتراوح المستقبل القريب بين عدة سيناريوهات محتملة:
1. قبول الصفقة فورًا: سينعكس إيجابًا على الرأي العام الإسرائيلي ويقلل الضغوط الداخلية، لكنه قد يُفهم كتنازل سياسي أمام حماس.
2. المماطلة أو التأجيل: يزيد المخاطر على حياة المحتجزين ويؤدي إلى مزيد من الغضب الشعبي، وقد يؤدي إلى تفاقم التوتر الداخلي والسياسي.
3. التفاوض على شروط جديدة: قد يسمح بمزيد من الوقت لنتنياهو لإظهار موقف قوي، لكنه يظل محفوفًا بالمخاطر الإنسانية والسياسية.
كل سيناريو يحمل انعكاسات واسعة على السياسة الداخلية، واستقرار الحكومة، والعلاقات مع الأطراف الإقليمية والدولية.
اختبار حقيقي للقيادة الإسرائيلية
إسرائيل اليوم على مفترق طرق: استمرار الحرب في غزة أو الحسم عبر صفقة تبادل الأسرى. الضغوط تتصاعد على نتنياهو من جميع الاتجاهات – شعبيًا، عائليًا، وسياسيًا. وفي ظل تصاعد المخاطر على حياة المحتجزين والغضب الشعبي، يبدو أن سياسة المماطلة لم تعد خيارًا متاحًا. القرار الذي سيتخذه نتنياهو خلال الأيام المقبلة سيحدد مسار الأحداث، ويكون مؤشرًا على قدرة القيادة الإسرائيلية على إدارة التوازن بين الضغوط الداخلية والاستراتيجية الأمنية في سياق صراع طويل الأمد مع حركة حماس.