إسرائيل تلوّح بإقصاء الوسطاء: أزمة ثقة أم استراتيجية جديدة؟

أماني إبراهيم- وكالة أنباء آسيا

2025.08.25 - 08:04
Facebook Share
طباعة

لم يكن ما نشرته القناة 12 الإسرائيلية حول احتمال التخلي عن دور الوسيطين المصري والقطري في ملف مفاوضات غزة مجرد تسريب إعلامي عابر. فالتوقيت والسياق يوحيان بأن الحديث جزء من معركة سياسية وتفاوضية معقدة، تتشابك فيها حسابات الداخل الإسرائيلي مع ضغوط الخارج، وتدخل فيها الاعتبارات الإقليمية والدولية على حد سواء.

 

هذه الأنباء تفتح بابًا واسعًا للتحليل، لأنها لا تمس فقط مستقبل المفاوضات حول الأسرى، بل تكشف أيضًا عن حدود الثقة بين إسرائيل والوسطاء التقليديين، وتثير تساؤلات حول إمكانية دخول أطراف جديدة على خط الوساطة.

 

أزمة ثقة مع الوسطاء التقليديين

القراءة الأولى لهذا التسريب تضعنا أمام أزمة ثقة واضحة بين إسرائيل وبين الوسطاء الذين تقودهم القاهرة والدوحة منذ سنوات طويلة.

بالنسبة لقطر، فإن تل أبيب ترى أنها لم تعد قادرة على ممارسة الضغوط الكافية على حركة حماس. بل أكثر من ذلك، تُتهم الدوحة من جانب إسرائيل بأنها تحتفظ بعلاقات وثيقة مع قيادة الحركة، وأنها تنسج مصالحها الاستراتيجية بما يتجاوز مجرد دور الوساطة. هذا القرب يمنحها قدرة خاصة على التواصل مع حماس، لكنه في الوقت نفسه يثير شكوكًا لدى إسرائيل حول حيادها وجدّيتها في دفع الحركة نحو تنازلات مؤلمة.

 

أما مصر، فرغم كونها اللاعب المركزي في كل اتفاقات التهدئة السابقة منذ 2008 وحتى اليوم، فإن إسرائيل تتعامل مع دورها على أنه محدود بحدود معينة. القاهرة تضبط معبر رفح وتتحكم في الممر الإنساني والسياسي الوحيد لقطاع غزة، لكنها – وفق الرؤية الإسرائيلية – لا تمارس "الضغط الكافي" على حماس للقبول بصيغ الاتفاق التي تريدها إسرائيل. وهنا يظهر التوتر: فمصر تنطلق من اعتبارات الأمن القومي وحماية حدودها، بينما تريد إسرائيل دورًا أكثر حزماً قد لا يتناسب مع أولويات القاهرة.

 


هذه الفجوة في التوقعات بين إسرائيل ووسطائها التقليديين قد تكون الدافع وراء تسريب الحديث عن بدائل، كإشارة إلى أن تل أبيب غير راضية عن الأداء الحالي، وأنها تبحث عن أوراق جديدة تُعيد التوازن لصالحها.

 

 

البحث عن مسارات جديدة

المستوى الثاني من التحليل يتصل بما يمكن تسميته "البحث عن وسطاء بدلاء".

اسم الإمارات يطرح بقوة في هذا السياق. فمن وجهة النظر الإسرائيلية، أبوظبي تمثل شريكًا رسميًا في إطار اتفاقات التطبيع، ما يجعلها وسيطًا مقبولًا ومضمونًا. علاوة على ذلك، فإن الإمارات ليست مرتبطة بحماس، وهذا بحد ذاته يجعلها في نظر تل أبيب أكثر حيادية. دخولها على خط المفاوضات قد يمنح العملية وزنًا إقليميًا جديدًا، ويضفي على أي اتفاق محتمل طابعًا من الشرعية العربية المعلنة.

 

كذلك، هناك أطراف أوروبية بدأت تلوح في الأفق: فرنسا، بريطانيا، وربما الاتحاد الأوروبي ككل. هذه القوى تمتلك أدوات ضغط سياسية واقتصادية، وتبحث عن أدوار أوسع في المنطقة، خصوصًا بعد الانتقادات التي وُجهت لإسرائيل جراء حجم الكارثة الإنسانية في غزة. وجود وسيط أوروبي أو أكثر قد يُكسب المفاوضات طابعًا دوليًا، ويُخفف من حدة الانتقادات التي تتعرض لها إسرائيل على الساحة العالمية.


ورغم هذه الاحتمالات، فإن دخول لاعبين جدد لا يلغي الحقيقة الأساسية: هؤلاء الوسطاء، مهما بلغت قوتهم، لا يمتلكون أوراق التأثير المباشر على حماس كما تفعل الدوحة، ولا يملكون السيطرة الجغرافية والحدودية التي تمسك بها القاهرة. وهذا ما يجعل الحديث عن بدائل أقرب إلى مناورة سياسية منه إلى خطة قابلة للتنفيذ.


الضغوط الأمريكية والأوروبية

القراءة الثالثة ترتبط مباشرة بضغوط الخارج، وبخاصة من الولايات المتحدة وأوروبا.

واشنطن تعاني منذ بداية الحرب من انتقادات متصاعدة لعدم قدرتها على وقف العمليات العسكرية أو تحقيق تقدم في ملف الأسرى. إدارة بايدن، التي تواجه استحقاقات انتخابية داخلية، بحاجة إلى إنجاز ملموس يُقدَّم للرأي العام الأمريكي. ومن هنا، فإن الضغط على إسرائيل للبحث عن مسارات جديدة ليس أمرًا مستبعدًا.

 

أوروبا أيضًا دخلت على الخط بقوة أكبر من المعتاد. دول مثل إيرلندا وفرنسا وبريطانيا رفعت سقف خطابها السياسي تجاه إسرائيل، وباتت تدعو علنًا إلى حلول سياسية سريعة. هذا التحول في الموقف الأوروبي قد يكون عاملًا إضافيًا جعل إسرائيل تفكر – أو توحي بأنها تفكر – في استبدال الوسطاء أو توسيع دائرة الوساطة.


هكذا تبدو الضغوط الأمريكية والأوروبية كأحد المحركات الخفية وراء الحديث عن "تغيير الوسطاء"، وإن كان هذا التغيير في الحقيقة صعب التحقق على أرض الواقع.


ورقة ضغط على القاهرة والدوحة

القراءة الأرجح لما نشرته القناة 12 أن المسألة ليست أكثر من ورقة ضغط تكتيكية. إسرائيل تدرك جيدًا أن مصر وقطر هما "مفاتيح اللعبة" ولا يمكن تجاوزهما.

فمصر، بجغرافيتها وحدودها مع غزة، تتحكم في شريان أساسي لا يمكن لأي طرف آخر تعويضه. وهي الدولة الوحيدة التي تستطيع أن توازن بين متطلبات الأمن الإسرائيلي ومتطلبات الأمن الفلسطيني، بحكم موقعها ومصالحها الاستراتيجية المباشرة.

 

وقطر، بعلاقتها مع قيادة حماس وبقدرتها على توفير الدعم المالي والسياسي، تمثل قناة لا يمكن استبدالها. إسرائيل تعلم أن أي اتفاق مستقبلي سيمر حتمًا عبر الدوحة، لأنها الوحيدة القادرة على التأثير المباشر في قرارات الحركة.


من هنا، فإن الحديث عن استبعاد مصر وقطر قد يكون مجرد رسالة سياسية تهدف إلى دفعهما لممارسة دور أكثر فاعلية، وليس إعلانًا عن نية حقيقية لتغيير قواعد الوساطة.


بين المناورة والواقع

في المحصلة، يمكن القول إن التسريب الأخير لا يعكس نية إسرائيلية صادقة في إقصاء الوسطاء التقليديين بقدر ما يعكس محاولة لإعادة ضبط قواعد اللعبة التفاوضية. الرسالة واضحة: القاهرة والدوحة ستبقيان في المشهد، لكن عليهما أن تتحركا بما يخدم مصالح تل أبيب بصورة أكبر.

 

قد تدخل الإمارات أو بعض الأطراف الأوروبية كمكمّلين أو داعمين للمسار القائم، لكن المعادلة الجوهرية لن تتغير: مصر وقطر هما المحوران الأساسيان لأي اتفاق، وأي حديث عن بدائل يبقى في إطار الضغط والمناورة، أكثر من كونه خطة قابلة للتنفيذ على أرض الواقع.

 

 

 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 5 + 1