الضربات على اليمن: استعراض قوة أم انزلاق أمني؟

وكالة أنباء آسيا

2025.08.25 - 07:03
Facebook Share
طباعة

نفّذت إسرائيل سلسلة ضربات جوية مركّزة على صنعاء، استهدفت مجمّعات عسكرية ومحيط القصر الرئاسي ومنشآت طاقة ووقود تُتهم جماعة أنصار الله (الحوثيون) باستخدامها في منظومة الدعم اللوجستي. جاء ذلك بعد إطلاق صاروخ من اليمن باتجاه إسرائيل، قالت تل أبيب إنه أول صاروخ برؤوس عنقودية يُطلق عليها منذ 2023، وإنه تفتّت في الجو قبل إصابته هدفاً.

أسفرت الغارات، وفق وزارة الصحة الحوثية، عن ستة قتلى وعشرات الجرحى. هذه الوقائع تفتح سؤالاً مزدوجاً: هل أرادت إسرائيل توجيه رسالة ردع إقليمية عابرة للحدود؟ أم أنها تتحرك على حافة انزلاق أمني يوسّع الحرب من غزة والبحر الأحمر إلى عمق الجزيرة العربية؟

 

بين الرسالة الردعية والاستعراض الإعلامي

الضربة حملت طابعاً استعراضياً أكثر من كونها عملية لتدمير كامل البنية العسكرية الحوثية. استهداف محطات للطاقة ومستودعات وقود يشي بمحاولة تقويض قدرة الحوثيين على التعافي السريع، لكن الصور التي خرجت من صنعاء – كرات لهب ودخان كثيف فوق أفق العاصمة – صبّت في مصلحة الحوثيين دعائياً، بعدما استثمروا المشهد في خطاب "الصمود" والربط المباشر بين معركتهم في اليمن والحرب في غزة.


الرسالة العملياتية المباشرة بدت واضحة: ضرب “شبكات التمكين” أكثر من الاقتصار على منصّات الإطلاق. استهداف محطات طاقة ومستودعات وقود يشي برغبة في تقويض القدرة على التعافي السريع بعد أي جولة إطلاق، وإيلام البيئة الحاضنة عبر مراكز ثقل مدنية/ثنائية الاستخدام، مع الإبقاء على السردية الإسرائيلية بأن المواقع “تُسخَّر للجهد العسكري”. صور الدخان الكثيف والانفجارات قرب مناطق حساسة في العاصمة دعمت الانطباع بعملية تظهر القدرة على الوصول، أكثر من كونها حملة لتعطيل كامل للقدرات الحوثية المتناثرة والمتكيّفة.

 

 

على الضفة المقابلة، يستثمر الحوثيون الضربات لتعزيز سردية “الصمود” وربط هجماتهم مباشرةً بغزة. إعلانهم استمرار الاستهداف “مهما كانت التضحيات” يضع إسرائيل أمام معادلة ردع مكلفة: كل ضربة في صنعاء قد تستدعي ابتكار جولة تسليحية جديدة، من صواريخ بعيدة المدى إلى مسيّرات الجو/البحر، مع مخاطر على الملاحة في البحر الأحمر وباب المندب. هنا، لا تبدو إسرائيل قادرة على بلوغ “صفر تهديد” من اليمن من دون توسيع بنك الأهداف إلى ما يتجاوز طلعات رمزية متباعدة، وهو خيار محفوف بتداعيات إنسانية وإقليمية ويستدعي حسابات مع الولايات المتحدة وشركائها البحريين.

 

الدافع السياسي داخل إسرائيل لا يقل حضوراً عن الاعتبارات العسكرية. فخطاب “اليد الطويلة” يعوّض كلفة الإخفاق في اعتراض الصاروخ اليمني الأخير أو أجزاء منه، ويدعم سردية “الأمن الوقائي” خارج الجبهة الغزية. لكن هذا المسار يراكم أيضاً متغيرات عدم يقين: اتساع مسرح المواجهة يعني تفويضاً عملياتياً أطول مدى وسلسلة إمداد أطول، في وقت تواجه فيه المؤسسة الأمنية استنزافاً مستمراً في غزة والشمال. مع كل توغّل جغرافي جديد، تكبر احتمالات الحوادث غير المحسوبة، من إصابات مدنية واسعة إلى خطأ تقدير قد يفتح باب وساطات شاقة أو تصعيد إيراني-وكيل مُضاعف.

 

قانونياً وإعلامياً، يضع استهداف البنى التحتية المدنية/الثنائية الاستخدام إسرائيل تحت مجهر أسئلة التناسب والضرورة العسكرية، خصوصاً إذا تراكمت الخسائر البشرية. وفي ميدان الحرب المعلوماتية، تبدو كلفة الصور الخارجة من صنعاء عالية؛ فكل كرة نار فوق عاصمةٍ فقيرة تُترجم سريعاً إلى مكاسب دعائية للحوثيين وإلى ضغط على العواصم العربية التي تحاول إبقاء خطوط التهدئة مفتوحة، لا سيما مسقط والرياض وأبوظبي. هذا الإرهاق المعنوي قد يضرّ بمساعي إعادة تهدئة ممرات الشحن التي استنزفتها هجمات البحر الأحمر منذ أواخر 2023.

 

أمنياً، يُرجَّح أن تظل جولات “الردع بالوكالة” متبادلة ومحدودة زمنياً وجغرافياً: طلعات إسرائيلية موجزة عالية الدقة مقابل رشقات محسوبة من اليمن، مع الحفاظ على عتبة لا تُحرج واشنطن بدخول مباشر أوسع. لكن أي إصابة كبيرة داخل العمق الإسرائيلي، أو سقوط أعداد كبيرة من الضحايا في صنعاء، قد يكسر هذه العتبة سريعاً ويولّد ديناميكية تصعيد يصعب فرملتها، خصوصاً إذا تقاطعت مع توتّر على جبهة الشمال أو مع حادث بحري كبير جنوب البحر الأحمر.

 

 

خلاصة المشهد أنّ ضربة صنعاء تحمل قدراً متساوياً من الاستعراض والإنذار. هي استعراض قوة لأنها تُثبت القدرة على الضرب بعيداً عن غزة ولبنان، وتخاطب خصوماً متعددين بلغة واحدة: “الردّ لا يعترف بالحدود”. وهي إنذار بالانزلاق لأن توسيع الجغرافيا يضاعف المخاطر: كلما اتسع المسرح، ازدادت فرص الخطأ الاستراتيجي وتقلّص هامش السيطرة على التبعات الإنسانية والسياسية. في ميزان المدى القصير، قد تحقّق إسرائيل نقطة ردعية موضعية. أمّا في المدى المتوسط، فالمعادلة مرهونة بسؤالين مفتوحين: قدرة الحوثيين على تجديد أدوات الضغط البحري والصاروخي، وقابلية تل أبيب لتحمّل كلفة “تعدّد الجبهات” من دون اختراق سياسي حقيقي في غزة.

 

تصاعدت المواجهة اليمنية–الإسرائيلية تدريجياً مع دخول الحوثيين على خط الحرب في غزة نهاية 2023 عبر استهداف السفن في البحر الأحمر وإطلاق صواريخ ومسيّرات باتجاه إسرائيل. في 22 أغسطس/آب 2025 دوّت صافرات الإنذار في مناطق إسرائيلية بعد إطلاق صاروخ من اليمن قالت إسرائيل إنه تفكك في الجو، لتأتي ضربات 24 أغسطس/آب على صنعاء كردّ مباشر، مع إعلانٍ عن ستة قتلى وعشرات الجرحى وفق سلطات صنعاء، ونشر الجيش الإسرائيلي لقطات تُظهر تجهيز مقاتلاته للإقلاع نحو اليمن.
 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 6 + 10