تتسارع التطورات في المشهد الإسرائيلي والإقليمي على نحو يفتح أبوابًا جديدة من التقديرات والتحليلات؛ فمن تل أبيب خرج رئيس الأركان الإسرائيلي ليؤكد وجود صفقة رهائن "جاهزة على الطاولة"، بينما تسربت أنباء عن محادثات متقدمة بين دمشق وتل أبيب حول اتفاق أمني يحدّد قواعد الاشتباك شمالاً.
وفي موازاة هذه التطورات، شهدت الساحة الدولية توترًا دبلوماسيًا حادًا بين فرنسا والولايات المتحدة على خلفية اتهامات متبادلة حول معاداة السامية، فيما واصلت إسرائيل تصعيدها العسكري عبر ضربات جوية استهدفت العمق اليمني. هذه الصورة المركّبة تكشف عن مزيج من الضغوط السياسية والأمنية التي تواجهها حكومة نتنياهو، وسط تحديات داخلية متزايدة تشمل أزمات حرية الصحافة والكوارث الطبيعية.
صفقة الرهائن بين الواقع والقرار السياسي
تصريحات رئيس الأركان إيَال زامير بأن هناك "صفقة جاهزة على الطاولة وينبغي أن ننجزها" لا تُعد مجرد جملة عابرة، بل تمثل إشارة واضحة إلى حجم الضغوط داخل المؤسسة العسكرية على القيادة السياسية، وفي مقدمتها نتنياهو. فالمؤسسة الأمنية، التي أرهقتها الحرب المفتوحة في غزة وما تلاها من مواجهات على أكثر من جبهة، ترى أن إطلاق سراح الرهائن قد يمنح الحكومة متنفسًا سياسيًا وإنسانيًا. لكن القرار النهائي يظل مرتبطًا بحسابات نتنياهو، الذي يخشى أن يُنظر إلى أي تنازل على أنه رضوخ أمام حماس أو الوسطاء. هذه المعادلة تعكس مأزقًا داخليًا؛ فالرأي العام الإسرائيلي بات أكثر انقسامًا بين مطالب بالإسراع في إنقاذ الأسرى، وأصوات ترى أن الصفقة قد تُضعف موقف تل أبيب التفاوضي.
دمشق تدخل المشهد: نحو اتفاق أمني غير متوقع؟
في تطور لافت، أعلن الرئيس السوري أحمد الشريعة أن المفاوضات مع إسرائيل بشأن اتفاق أمني وصلت إلى مراحل "متقدمة". ورغم غموض التفاصيل، إلا أن الإشارة إلى العودة إلى خطوط اتفاق 1974 تضع هذه المحادثات في إطار غير مسبوق منذ عقود. الدلالة هنا مزدوجة: فمن جهة، تسعى دمشق إلى تخفيف الضغط العسكري والاقتصادي عبر فتح قنوات مع تل أبيب؛ ومن جهة أخرى، تحاول إسرائيل تأمين جبهتها الشمالية لتفريغ طاقتها نحو غزة واليمن وربما إيران. إلا أن هذا الانفتاح يثير تساؤلات حول موقف إيران وحزب الله، إذ أن أي تقارب سوري–إسرائيلي قد يُعتبر مساسًا بتوازنات المحور الإقليمي.
أزمة باريس وواشنطن: معاداة السامية كورقة صراع
التوتر بين فرنسا والولايات المتحدة على خلفية تصريحات السفير الأميركي تشارلز كوشنر ضد ماكرون، يعبّر عن كيفية تحول ملف معاداة السامية إلى أداة سياسية ودبلوماسية. واشنطن اختارت توقيتًا رمزيًا بالحديث في ذكرى تحرير باريس، لتوجيه رسالة علنية محرجة للإليزيه. وفي المقابل، ردت باريس باعتبار الأمر تدخلًا غير مقبول في شؤونها الداخلية. هذه الأزمة قد تتجاوز بعدها الثنائي، إذ قد تؤثر على التنسيق الغربي في ملفات أكثر حساسية، وعلى رأسها الحرب في غزة والضغط على إسرائيل. فإذا تراجع التناغم بين باريس وواشنطن، فإن تل أبيب ستخسر واحدًا من أهم أدواتها في كسب الغطاء الدبلوماسي الدولي.
الضربات على اليمن
الصور التي نشرتها تل أبيب لنتنياهو وكبار قادته العسكريين وهم يتابعون الضربات الجوية على اليمن، تكشف أن العملية لم تكن مجرد استهداف تكتيكي بل استعراض سياسي محسوب. اختيار الأهداف — القصر الرئاسي في صنعاء، منشآت طاقة، ومستودعات وقود — يوضح أن إسرائيل تريد إيصال رسالة مزدوجة: القدرة على ضرب عمق الحوثيين، والجرأة في تحدي النفوذ الإيراني في اليمن. لكن هذه الاستراتيجية قد تفتح الباب لتصعيد أوسع، خاصة إذا رد الحوثيون عبر البحر الأحمر أو عبر دعم عسكري غير مباشر من طهران. وبذلك تتحول الجبهة اليمنية إلى صداع إضافي في المعادلة الأمنية الإسرائيلية.
الصحافة والحريات تحت الاختبار
حادثة توقيف صحافيين عرب إسرائيليين خلال تغطية جريمة قتل قرب كفر قاسم، وإن انتهت سريعًا بإطلاق سراحهما، إلا أنها سلطت الضوء على حساسية حرية الإعلام داخل إسرائيل. فالتوتر الأمني عادة ما يُستخدم لتبرير التضييق على الصحافة، غير أن هذا المنطق يضع الحكومة في مواجهة مع منظمات حقوقية غربية قد تستغل هذه الوقائع لتصعيد الانتقادات ضد تل أبيب. وفي وقت تحتاج فيه الحكومة الإسرائيلية إلى تحسين صورتها الخارجية لتبرير عملياتها العسكرية، فإن أي تجاوز بحق الإعلام قد يفاقم أزمتها الدبلوماسية.
الحريق في قلب الممر الاستراتيجي
اندلاع حريق ضخم قرب مڤاسيرت صهيون وتهديده بإغلاق الطريق السريع رقم 1 الرابط بين القدس وتل أبيب، قد يبدو حدثًا طبيعيًا، لكنه في الواقع يضيف بعدًا آخر للهشاشة الأمنية واللوجستية. هذا الطريق ليس مجرد شريان مواصلات، بل يمثل خطًا استراتيجيًا في ربط العاصمة السياسية بالمركز الاقتصادي. أي خلل فيه، سواء لأسباب طبيعية أو بفعل هجمات، يكشف عن حجم الضغط الذي تعيشه إسرائيل في إدارة الأزمات المتعددة بالتوازي.
يأتي كل ذلك بينما تعيش إسرائيل لحظة مفصلية؛ إذ تتقاطع أزمة الرهائن مع محاولات ترتيب الوضع الإقليمي، وتتداخل الضغوط الدولية مع تصعيد عسكري مفتوح. المشهد يعكس دولة تعاني من فائض التحديات ونقص الحلول، حيث تحاول حكومة نتنياهو المناورة بين صفقة محتملة قد تثير الانقسام الداخلي، وتفاهمات حدودية قد تُغضب الحلفاء التقليديين، وحملات عسكرية قد تنزلق إلى مواجهات أوسع. في المحصلة، تبدو إسرائيل أمام اختبار قدرة على إدارة أزمات متشابكة، وكل قرار — من قبول صفقة رهائن إلى قصف اليمن — قد يغيّر خريطة الإقليم في الأشهر المقبلة.