حكومة الأسرى تهز إسرائيل: غانتس يناور ونتنياهو في مأزق

«حكومة فداء الأسرى»… مقامرة غانتس الأخيرة قبل السقوط؟

2025.08.25 - 06:48
Facebook Share
طباعة

دخل المشهد السياسي الإسرائيلي مرحلة جديدة من المزايدات والشد والجذب، بعدما أعلن بيني غانتس عن مبادرة غير مسبوقة لتشكيل «حكومة فداء الأسرى» مؤقتة تمتد لستة أشهر، تضم بنيامين نتنياهو ويائير لَبيد وأفيغدور ليبرمان، على أن يكون هدفها الوحيد التوصل إلى صفقة شاملة تعيد الأسرى من غزة، إضافة إلى تمرير قانون التجنيد الذي يثير أزمة مستمرة بين الائتلاف والمعارضة.

المبادرة أثارت عاصفة من الردود المتباينة، إذ اعتبرها بعض المراقبين محاولة جادة لكسر الجمود، فيما رأى آخرون أنها مجرد مناورة سياسية من غانتس لإنقاذ نفسه من الانهيار الانتخابي.

غانتس يحاول إعادة التموضع

في خطابه، قدّم غانتس نفسه بصفته رجل الدولة القادر على تجاوز الحسابات الحزبية الضيقة لمصلحة «الأولوية الأخلاقية» المتمثلة في إعادة الأسرى. وأكد أن حكومته المقترحة ستكون محددة الهدف والمدة، بحيث لا تتجاوز ستة أشهر، يتم خلالها التركيز حصراً على إتمام صفقة التبادل، بالتوازي مع معالجة ملف تجنيد الحريديم. وأوضح أن أحد الشروط المركزية لأي حكومة وحدة هو استبعاد وزراء اليمين المتطرف، وعلى رأسهم بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، معتبراً أن وجودهما يعرقل أي خطوة نحو التهدئة أو المفاوضات.

لكن خلف هذه اللغة، يُقرأ تحرك غانتس كمحاولة لاستعادة زمام المبادرة بعد سلسلة من الانتكاسات السياسية: انشقاقات داخل حزبه، واستقالة حليفه غادي آيزنكوت، وتراجع حاد في الاستطلاعات قد يضعه تحت العتبة الانتخابية. بهذا المعنى، تبدو مبادرته محاولة لاستثمار الزخم الشعبي المتصاعد من أجل الأسرى ليعود إلى واجهة المشهد كقائد بديل.

لَبيد يرفض الجلوس تحت نتنياهو

ردّ زعيم المعارضة يائير لَبيد كان مباشراً وحاسماً. في تصريحات نقلتها وسائل الإعلام الإسرائيلية، قال:

«لن أجلس في حكومة يرأسها نتنياهو، نقطة».

لَبيد شدد على أن رفضه ليس تفصيلاً تكتيكياً بل «مبدأ» يعكس فقدان الثقة بقدرة نتنياهو على إدارة الدولة. لكنه في الوقت نفسه لم يغلق الباب أمام التعاون، بل عرض تقديم «شبكة أمان برلمانية» تتيح تمرير أي اتفاق تبادل إذا ما تم التوصل إليه، حتى لا يُعاق ملف الأسرى بسبب توازنات الكنيست. هذا الموقف يعكس استراتيجية لَبيد في الجمع بين رفض منح نتنياهو شرعية جديدة، وبين الظهور بمظهر المسؤول الذي يضع المصلحة الوطنية فوق الاعتبارات الحزبية.

ليبرمان يسخر من المبادرة

أفيغدور ليبرمان، زعيم حزب «إسرائيل بيتنا»، اختار لهجة أكثر حدة وسخرية. فقد وصف مبادرة غانتس بأنها «عرض بائس» و«زحف نحو الائتلاف»، متهماً إياه بالسعي وراء مصلحة شخصية أكثر من سعيه لحل أزمة الأسرى. هذا الموقف ليس مفاجئاً بالنظر إلى موقع ليبرمان الذي يبني حضوره السياسي على مهاجمة خصومه بحدة، لكن في هذه الحالة كان هجومه مضاعفاً لأنه يستهدف غانتس ونتنياهو معاً.

بن غفير يهاجم ويدافع عن بقائه

من داخل الائتلاف، جاء رد وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير سريعاً ومشحوناً. فقد أعلن أن الحكومة «حققت إنجازات من دون غانتس» وأن انضمامه «غير ضروري». بهذا الرد، حاول بن غفير إرسال رسالة مزدوجة: أولاً الدفاع عن موقعه في الحكومة، وثانياً الضغط على نتنياهو لعدم الاستجابة لمبادرة تستبعده بشكل مباشر.

نتنياهو بين ضغط الشارع وابتزاز الحلفاء

حتى مساء الأحد، التزم نتنياهو الصمت ولم يرد بشكل رسمي على المبادرة. لكن مراقبين أشاروا إلى أن رئيس الوزراء يجد نفسه محاصراً بين ضغطين متناقضين:

من جهة، ضغط الشارع الإسرائيلي الذي يشهد احتجاجات متزايدة تقودها عائلات الأسرى، يطالب بوقف الحرب وإتمام صفقة تبادل فورية. المظاهرات والإضرابات وإغلاق الطرق تحوّلت إلى مشهد شبه يومي يهدد بشرخ عميق في شرعية الحكومة.

من جهة أخرى، ضغط حلفائه في اليمين المتطرف الذين يلوّحون بإسقاط الحكومة إذا مضى في صفقة تتضمن وقف إطلاق النار أو تنازلات سياسية.


هذا التناقض يضع نتنياهو أمام خيارات جميعها مكلفة سياسياً: إما أن يواجه غضب الشارع ويُتهم بالتضحية بالأسرى، أو يخسر شركاءه المتطرفين وينهار ائتلافه.

الواقع الميداني يزيد تعقيد المعضلة

الوضع الإنساني للأسرى يضاعف حدة الأزمة. فالتقديرات الرسمية تشير إلى بقاء خمسين أسيراً في غزة، بينهم 20 يُعتقد أنهم ما زالوا على قيد الحياة، مقابل 28 أعلنت إسرائيل وفاتهم، إضافة إلى جثمان جندي من حرب 2014. ومع كل يوم يمر، تزداد المخاوف من أن أي تصعيد عسكري قد يعرّض حياة من تبقى منهم للخطر. هذا الواقع يمنح الشارع قوة دفع إضافية في مطالبه، ويجعل أي تأجيل بمثابة مقامرة على حياة البشر.

حسابات المعارضة والانتخابات المقبلة

في خلفية المشهد، تُقرأ مواقف المعارضة أيضاً من زاوية الحسابات الانتخابية. لَبيد لا يريد أن يُتهم بأنه منح نتنياهو «شريان حياة» سياسي، فيما يسعى ليبرمان لترسيخ صورته كصوت صريح ضد «التسويات الانتهازية». أما غانتس، فبين مطرقة تراجع حزبه وسندان ضغط الشارع، يحاول إعادة صياغة نفسه كقائد مسؤول، حتى لو كان الثمن الدخول مجدداً في حكومة وحدة قصيرة العمر.


ليست هذه المرة الأولى التي يطرح فيها غانتس خيار حكومة وحدة مع نتنياهو. فقد جربها عام 2020 في ترتيب تناوب انهار سريعاً، كما دخل في حكومة الطوارئ بعد هجوم 7 أكتوبر 2023، لكنه انسحب بعد ثمانية أشهر فقط احتجاجاً على ما وصفه بـ«غياب الاستراتيجية الواضحة». هذه السوابق تجعل مبادرته الحالية عرضة للتشكيك بأنها مجرد إعادة إنتاج لتجارب فاشلة، رغم محاولاته تسويقها كخطوة أخلاقية لا بد منها.

في نهاية المطاف، تبقى إسرائيل أمام مفترق طرق: إما السير نحو صفقة تبادل مدعومة بشبكة أمان معارضة، أو تشكيل حكومة إنقاذ قصيرة المدى بشروط غانتس، أو الاستمرار في المراوحة التي تهدد حياة الأسرى وتعمق الانقسام الداخلي. أياً يكن الخيار، فإن قرار نتنياهو المقبل سيحمل تكلفة سياسية مباشرة قد تغيّر ملامح المشهد بأسره.

 

الأزمة الداخلية حول ملف الأسرى لا تتوقف عند حدود السياسة الإسرائيلية، بل تمتد بتأثير مباشر إلى صورة إسرائيل في الخارج. فالمجتمع الدولي، ولا سيما الولايات المتحدة وأوروبا، يتابع بقلق تصاعد الاحتجاجات في الشارع الإسرائيلي ويربطها مباشرة بفشل الحكومة في إدارة الحرب بقطاع غزة. وفي الوقت الذي يتحدث فيه غانتس عن «حكومة فداء الأسرى»، ترى عواصم غربية أن هذه المبادرة تعكس عمق الانقسام الداخلي وعجز القيادة الإسرائيلية عن اتخاذ قرار حاسم.

كما أن استمرار احتجاز الأسرى، بالتزامن مع تفاقم الأزمة الإنسانية في غزة، يضع تل أبيب في موقف دفاعي صعب على المستوى الدولي. منظمات حقوقية وأممية بدأت تسلط الضوء على التناقض بين خطاب إسرائيل عن «حماية مواطنيها» وبين إخفاقها في إعادة الأسرى رغم مرور أكثر من عامين على اندلاع الحرب. هذا التناقض يضعف الموقف الإسرائيلي في الساحات الدبلوماسية ويمنح خصومها مادة دعائية مؤثرة.

وبينما يسعى نتنياهو للموازنة بين الحفاظ على ائتلافه المتطرف وتخفيف الضغط الدولي، فإن أي تصعيد داخلي أو تدهور في وضع الأسرى سيعني بالضرورة زيادة العزلة الخارجية، وربما يسرّع من الضغوط الأميركية والأوروبية لفرض حل تفاوضي مهما كانت كلفته السياسية على الداخل الإسرائيلي.

 

 

 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 8 + 1