شهدت العاصمة اليمنية صنعاء، اليوم الأحد، سلسلة انفجارات عنيفة نتيجة غارات جوية إسرائيلية استهدفت محطة لتوليد الكهرباء جنوبي المدينة، وسط تحليق مكثف للطائرات الحربية، بحسب ما نقلته وسائل إعلام إسرائيلية عن مصادر عسكرية أكدت أن هذه الضربات جاءت رداً على استمرار إطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة من اليمن باتجاه العمق الإسرائيلي، وهو ما يضع اليمن بصورة مباشرة في قلب المواجهة الدائرة في المنطقة منذ اندلاع حرب غزة.
هذا التطور لا يمكن النظر إليه كحادثة منفصلة، بل هو امتداد لمسار متصاعد جعل اليمن جزءاً من خريطة الصراع الإقليمي. ضرب صنعاء اليوم يكشف أن إسرائيل لم تعد تكتفي بالتصدي للهجمات على أراضيها أو على سفنها، بل تسعى إلى نقل المعركة إلى العمق اليمني في محاولة لفرض معادلة ردع.
التداعيات التي دفعت تل أبيب إلى هذا التصعيد متعددة فمن جهة، يتعرض الداخل الإسرائيلي لضغوط متزايدة بسبب استمرار إطلاق المسيّرات والصواريخ من مسافات بعيدة، وهو ما يحرج الحكومة أمام الرأي العام ويضعف صورة الجيش الذي طالما تباهى بقدراته الدفاعية. ومن جهة أخرى، تريد إسرائيل إرسال رسالة لحلفائها الإقليميين والدوليين بأنها قادرة على المبادرة والهجوم حتى وهي غارقة في معارك غزة ولبنان. في المقابل، يرى الحوثيون أن توسيع نطاق المواجهة يمنحهم موقعاً تفاوضياً أقوى داخلياً وخارجياً، ويجعل تجاهلهم في أي ترتيبات إقليمية أمراً شبه مستحيل.
أما على مستوى الانعكاسات، فإن المشهد يبدو أكثر تعقيداً. عسكرياً، انخراط إسرائيل في قصف مباشر لصنعاء قد يفتح جبهة استنزاف إضافية في وقت يعاني فيه جيشها من ضغوط ميدانية متعددة. سياسياً، هذه الضربات تعيد الملف اليمني إلى واجهة النقاش الدولي، خصوصاً وأن القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تخشى من تحول البحر الأحمر ومضيق باب المندب إلى ساحة مواجهة أوسع تهدد مصالحها الاستراتيجية. استهداف البنية التحتية، كالكهرباء يعمق مأساة المدنيين في بلد يعيش واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، ما يثير موجة انتقادات جديدة ضد إسرائيل.
هذا الحدث لن يتوقف عند حدود الضربة نفسها، بل قد تعيد صياغة طبيعة الحرب الدائرة. فإذا قررت إسرائيل المضي في استهداف مواقع حيوية باليمن، فإن الرد من جانب الحوثيين قد يتسع ليشمل ضربات نوعية على أهداف إسرائيلية أو مصالح مرتبطة بها في البحر الأحمر. وهذا بدوره قد يستدعي تدخلاً أوسع من القوى الغربية لحماية الملاحة الدولية، ما يعني أن المواجهة التي بدأت كجزء من حرب غزة قد تتحول إلى صراع إقليمي مفتوح.
بذلك تصبح صنعاء اليوم رمزاً لاتساع رقعة النزاع، وعنواناً لمرحلة جديدة يختلط فيها المحلي بالإقليمي، وتتشابك فيها حسابات الردع مع حسابات البقاء السياسي.
واللافت أن كل طرف يعتقد أن التصعيد يمنحه أوراق قوة إضافية، بينما الحقيقة أن المنطقة بأسرها تنزلق أكثر نحو دائرة استنزاف بلا أفق واضح.