ما وراء تعثر صفقة الأسرى بين حماس وإسرائيل

متابعات _ وكالة أنباء آسيا

2025.08.24 - 03:46
Facebook Share
طباعة

أعلنت حركة حماس، اليوم الأحد ، موافقتها على صفقة جزئية تتعلق بوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، مؤكدة استعدادها للذهاب نحو صفقة شاملة، في حين رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المقترحات المطروحة، ما أدى إلى عرقلة مساعي الوسطاء المصريين والقطريين. هذا الموقف أعاد النقاش إلى نقطة البداية، وأبرز أن الأزمة لا تقتصر على تفاصيل تفاوضية، بل ترتبط بخلفيات أعمق وأسباب متشابكة.

خلفية الموضوع تعود إلى أن ملف الأسرى يشكل أحد أكثر الملفات حساسية في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي فقد ظل ورقة ضغط بيد الطرفين، حيث يعتبر الإسرائيليون استعادة أسراهم أولوية وطنية، بينما ترى الفصائل الفلسطينية أن أسر الجنود وسيلة للضغط من أجل إطلاق سراح المعتقلين. التجارب السابقة مثل صفقة شاليط عام 2011م أظهرت أن أي اتفاق من هذا النوع يترك بصمات كبيرة على المشهد السياسي والأمني لكن الحرب المستمرة منذ أكثر من عشرين شهراً جعلت الوضع مختلفاً، حيث تراكمت خسائر بشرية ومادية هائلة، وارتفعت الضغوط الداخلية على الحكومة الإسرائيلية، مما جعل قرار التوصل إلى صفقة أكثر تعقيداً من أي وقت مضى.

أسباب التعثر ترتبط في جانب كبير منها بالحسابات السياسية لنتنياهو رئيس الوزراء يعيش واحدة من أصعب مراحل حكمه، فهو محاصر بالانتقادات من الداخل والخارج، ويواجه تظاهرات مستمرة لعائلات الأسرى التي تتهمه بالتضحية بأبنائهم من أجل مصلحته السياسية مع ذلك يفضل نتنياهو عدم الدخول في اتفاق مع حماس خشية أن يُفهم ذلك داخل إسرائيل على أنه رضوخ لشروط المقاومة، إضافة إلى ذلك، هناك ضغوط من حلفائه المتشددين مثل بن غفير وسموتريتش الذين يرون في أي اتفاق تنازلاً غير مقبول، التوازن الهش داخل الائتلاف الحاكم يجعل أي خطوة نحو الصفقة محفوفة بالمخاطر السياسية بالنسبة له.

من جانبه، يراهن نتنياهو على إطالة أمد الحرب، آملاً أن يؤدي استمرار الضغط العسكري إلى إضعاف حماس أو على الأقل تحسين موقع إسرائيل التفاوضي غير أن هذا الخيار يواجه تحديات كبيرة، حيث أثبتت التجارب أن الحرب لا تحقق نتائج حاسمة، وأن المقاومة ما زالت قادرة على فرض شروطها.
لذلك فإن المماطلة تبدو أقرب إلى وسيلة لكسب الوقت أكثر من كونها خطة لتحقيق إنجاز ملموس.

على الجانب الفلسطيني يرى مراقبون أن نظرة حماس إلى الصفقة باعتبارها مدخلاً لإنهاء العدوان المستمر، وفي الوقت نفسه وسيلة لإثبات حضورها السياسي الحركة تعلم أن أي اتفاق يتضمن وقف إطلاق النار سيتيح لها إعادة ترتيب أوضاعها في غزة، وتعزيز صورتها كقوة صامدة في مواجهة إسرائيل.
من هنا فإن موافقتها على الصفقة الجزئية لا تعني تنازلاً، بل محاولة لفتح الطريق أمام حل يخفف الضغط عن سكان القطاع ويعيدها إلى دائرة الفعل السياسي الإقليمي.

الوسطاء، خصوصاً مصر وقطر، يجدون أنفسهم أمام مهمة صعبة فبينما تعلن حماس استعدادها للتجاوب مع المقترحات، تصر إسرائيل على مواقف متشددة تعطل أي تقدم هذا التعارض يضع الوساطة في اختبار قاس، ويهدد بفقدان ثقة الأطراف في فعاليتها.
وفي حال استمر الوضع على ما هو عليه، قد يصبح من الصعب إقناع أي طرف بأن هناك جدوى من جولات التفاوض المتكررة.

تداعيات استمرار التعثر لا تقتصر على طرفي الصراع فقط. في الداخل الإسرائيلي يتصاعد الغضب الشعبي ضد الحكومة، وهناك خشية من أن يؤدي تجاهل مطالب عائلات الأسرى إلى أزمة سياسية أوسع تهدد بقاء الائتلاف الحاكم. في الجانب الفلسطيني استمرار الحرب يعني المزيد من الضحايا والدمار، لكنه أيضاً يعزز خطاب المقاومة الذي يركز على فشل إسرائيل في تحقيق أهدافها. إقليمياً يؤدي غياب الاتفاق إلى زيادة احتمالات التصعيد يضع المنطقة أمام سيناريوهات أكثر خطورة.

الموقف الأميركي يحمل بدوره قدراً من التناقض الإدارة الأميركية تعلن دعمها لإسرائيل لكنها لا تخفي استياءها من طول أمد الحرب ومن سياسة المماطلة. تصريحات مسؤولين أميركيين سابقين أظهرت أن واشنطن تدرك دور نتنياهو في تعطيل المفاوضات، غير أن حساباتها الداخلية تجعلها مترددة في ممارسة ضغط علني قوي، هذا التردد يعكس إدراكاً بأن الأزمة أكبر من مجرد صفقة أسرى، وأنها متصلة مباشرة بمستقبل الحكومة الإسرائيلية وبمسار الحرب على غزة ككل.

الخلاصة أن أزمة الصفقة تعكس عمق المأزق الذي وصلت إليه الحرب حماس ترى في الاتفاق فرصة سياسية وإنسانية، بينما يتعامل نتنياهو معه باعتباره تهديداً لبقائه في الحكم.
وبين هذين المنظورين تتعطل جهود الوسطاء، ويظل مصير الأسرى رهينة حسابات سياسية ضيقة ما يحدث اليوم ليس مجرد عرقلة تفاوضية عابرة، بل انعكاس لصراع داخلي في إسرائيل، وصراع إرادات في المنطقة، ما يجعل أي انفراج قريب أمراً صعباً ما لم تحدث تحولات جذرية في موازين القوى أو في الحسابات السياسية للأطراف. 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 8 + 8