الليرة السورية أمام استحقاق جديد: إصلاح نقدي مرتقب

رزان الحاج

2025.08.23 - 04:14
Facebook Share
طباعة

 أعلن مصرف سوريا المركزي عن خطة لإصدار أوراق نقدية جديدة في إطار برنامج إصلاحي يهدف إلى استعادة الثقة بالليرة السورية وتسهيل التعاملات اليومية. الخطوة تأتي في وقت يواجه فيه الاقتصاد تحديات عميقة مرتبطة بتراجع القدرة الشرائية واستمرار معدلات التضخم المرتفعة.


المصرف المركزي أكد أن الأوراق الجديدة ستُطبع عبر جهات دولية "موثوقة"، وستُزوّد بأحدث التقنيات المضادة للتزوير. كما أوضح أن الكميات المطروحة ستكون مدروسة بعناية لتتناسب مع حجم الاقتصاد الوطني، بحيث لا تشكّل ضغطاً إضافياً على السوق النقدية أو قيمة العملة.


وشدد المصرف على أن هذا الإجراء لا يهدف فقط إلى تسهيل المعاملات المالية اليومية، بل أيضاً إلى تحسين إدارة السيولة ودعم جهود السيطرة على التضخم، في ظل ما يشهده الاقتصاد من تحديات مركبة منذ سنوات.


السياق الاقتصادي والضرورات الملحّة
منذ عام 2011 فقدت الليرة السورية أكثر من 99% من قيمتها، إذ تراجع سعر صرفها من نحو 50 ليرة مقابل الدولار إلى مستويات تقارب 10 آلاف ليرة حالياً. هذا الانهيار جعل من المعاملات النقدية عبئاً يومياً على المواطنين، حيث بات شراء الاحتياجات الأساسية يتطلب حمل كميات ضخمة من النقود ذات الفئات الصغيرة، ما انعكس سلباً على دورة الاقتصاد وعلى الثقة العامة بالعملة.


في هذا السياق، يرى خبراء الاقتصاد أن إعادة هيكلة العملة عبر إصدار أوراق نقدية جديدة قد يشكّل خطوة ضرورية لمعالجة عدة اختلالات. فهي من جهة ستُسهل المعاملات وتُعيد بعض التنظيم إلى التداول النقدي، ومن جهة أخرى قد تساعد الحكومة على مراقبة حجم السيولة المتداولة خارج النظام المصرفي، والتي تُقدَّر بعشرات التريليونات من الليرات.


ما بين الواقع والتوقعات
رغم أن بعض وسائل الإعلام تحدثت عن احتمالية طباعة العملة في روسيا، إلا أن هذه الأنباء تبقى غير مؤكدة ولم يشر إليها المصرف المركزي في بيانه الرسمي. ويرى محللون أن التسرع في ربط الخطة بمكان الطباعة قد يشتّت النقاش الأساسي حول الأهداف الحقيقية للإصدار الجديد، وهو تعزيز الاستقرار النقدي وإعادة الثقة بالليرة.


كما تُطرح تساؤلات حول ما إذا كانت إعادة تقييم العملة أو حذف أصفار منها قد تتطلب موافقة تشريعية خاصة، خصوصاً مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية المقبلة. حتى الآن، لم يوضح المصرف ما إذا كانت الخطة ستتضمن تغييرات جذرية في القيمة الاسمية للعملة، مكتفياً بالتأكيد على أن الإجراءات ما زالت قيد الدراسة ضمن إطار الإصلاحات المالية والنقدية.


الدلالات السياسية والرمزية
إلى جانب بعدها الاقتصادي، تحمل خطوة إصدار أوراق نقدية جديدة بُعداً رمزياً وسياسياً واضحاً. فالتخلص من الأوراق القديمة التي تحمل صور رموز من مرحلة سابقة يُنظر إليه كمؤشر على بداية مرحلة جديدة، ومحاولة لتجديد الثقة بين الدولة والمواطن. وفي ظل التحولات السياسية التي شهدتها سوريا في الأعوام الأخيرة، فإن أي تغيير في العملة قد يُقرأ أيضاً كجزء من عملية إعادة بناء الهوية الوطنية.


تحديات التنفيذ
لكن نجاح هذه الخطوة مرهون بعدة عوامل. أولها، قدرة المصرف المركزي على إدارة حجم النقد المتداول بمرونة دون إثارة موجة جديدة من التضخم. ثانيها، ضرورة مواكبة الإصدار الجديد بحملة توعية وإجراءات تنظيمية تشمل المصارف والتجار والمواطنين على حد سواء. وثالثها، الحاجة لتطوير البنية التحتية للمدفوعات الإلكترونية، لتخفيف الاعتماد المفرط على النقد الورقي وتجنب الأزمات المرتبطة بالسيولة.


إضافة إلى ذلك، فإن أي إصلاح نقدي سيحتاج إلى غطاء اقتصادي فعلي من خلال سياسات مالية وإنتاجية قادرة على دعم قيمة العملة. فالتجارب الدولية تظهر أن استبدال العملة أو حذف أصفار منها لا يكون فعالاً إذا لم يترافق مع إصلاحات أوسع تشمل ضبط الموازنة وتحفيز الاستثمار وزيادة الإنتاج المحلي.


إصدار عملة جديدة في سوريا يُعد خطوة إصلاحية جريئة تأتي استجابة لحاجة موضوعية فرضتها التحديات الاقتصادية. إلا أن تأثيرها الفعلي سيتوقف على طريقة التنفيذ ومدى تكاملها مع سياسات اقتصادية شاملة. فإذا اقتصر الإصلاح على الجانب الشكلي، قد يبقى أثره محدوداً. أما إذا جرى ضمن خطة متكاملة لإعادة الثقة بالاقتصاد الوطني وتعزيز الإنتاجية، فقد يشكل نقطة تحول في مسار الليرة السورية.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 1 + 2