في تصريحات نادرة وحادة، شن أفيغدور ليبرمان، زعيم حزب "إسرائيل بيتنا"، هجومًا مباشرًا على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، متهمًا إياه بسياسة متعمدة على مدى سنوات أعادت تقوية حركة حماس في غزة والضفة الغربية.
جاءت هذه الاتهامات في سياق تحليلي يعكس تزايد الانقسامات داخل الطبقة السياسية الإسرائيلية حول استراتيجية التعامل مع التنظيمات الفلسطينية المسلحة، ويفتح ملف الأسئلة حول فعالية السياسات الأمنية الإسرائيلية في مواجهة التهديدات المستمرة من غزة وفقًا لصحيفة "جيروزاليم بوست".
وزعم ليبرمان نتنياهو اتبع خلال سنوات حكمه سياسة "التغاضي الانتقائي"، حيث منع تنفيذ ضربات دقيقة ضد قادة حماس ومراكزها العسكرية على الرغم من توفر معلومات استخباراتية دقيقة. هذا النهج، بحسب ليبرمان، لم يكن نتيجة إخفاقات تكتيكية فحسب، بل سياسة متعمدة هدفها الحفاظ على مصالح سياسية داخلية، على حساب الأمن القومي الإسرائيلي.
المثير في كلام ليبرمان هو أن هذه السياسة لم تقوّض قدرة إسرائيل العسكرية فقط، بل ساهمت بشكل مباشر في تمكين حماس من إعادة تنظيم صفوفها، وتوسيع شبكة نفوذها في غزة، وزيادة دعمها الاجتماعي والسياسي في الضفة الغربية. خلال السنوات الماضية، شهدت حركة حماس تعزيزًا ملحوظًا لقدراتها الصاروخية والتكتيكية، وهو ما يربطه ليبرمان بالقرارات التي اتخذها نتنياهو لتجنب مواجهة مباشرة مع التنظيم، سواء لأسباب دبلوماسية أو لأهداف سياسية داخلية تتعلق بالتحالفات والحكومة.
ليبرمان لم يكتفِ بالنقد العسكري والسياسي، بل ألقى الضوء على البُعد الاستراتيجي للصراع الداخلي داخل إسرائيل. فقد أشار إلى أن الحكومة الإسرائيلية كانت منشغلة بتحقيق استقرار داخلي وتقوية موقع نتنياهو السياسي، بينما كان الثمن الأكبر على الأرض هو تعزيز نفوذ حركة حماس، ما خلق توازنًا صعبًا بين السياسة الداخلية والأمن القومي.
من منظور أوسع، تصريحات ليبرمان تكشف عن معضلة استراتيجية تواجه إسرائيل منذ سنوات: كيف يمكن للدولة الحفاظ على استقرارها الداخلي والتوازن السياسي، وفي الوقت نفسه مواجهة تهديد متصاعد من جهة غزة؟ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، كما يظهر، لا يُحل فقط بالإجراءات العسكرية، بل يتداخل فيه البعد السياسي الداخلي والاعتبارات الانتخابية والتحالفات الحزبية، وهو ما يوضح لماذا استمرت فجوات الاستراتيجية الأمنية حتى اليوم.
حركة حماس تأسست في أوائل التسعينيات كذراع سياسي وعسكري للإخوان المسلمين في فلسطين، وسرعان ما تطورت لتصبح قوة مؤثرة في غزة. على مدى السنوات الماضية، شهدت العلاقة بين إسرائيل وحماس فترات من التصعيد والحرب، تخللها تهدئات مؤقتة وسياسات إسرائيلية متباينة بين المواجهة المباشرة والسياسة التي يصفها ليبرمان بـ"التغاضي الانتقائي". هذه السياسات، بحسب تحليل الخبراء، ساهمت في إعادة تشكيل بنية القوة العسكرية لحماس وتوسيع نفوذها السياسي والاجتماعي في غزة والضفة الغربية.
اتهامات ليبرمان تشكل دعوة مفتوحة لإعادة تقييم السياسات الإسرائيلية تجاه غزة وحماس، ليس فقط من منظور تكتيكي، بل من منظور استراتيجي طويل المدى. فهي تضع السؤال الأهم أمام صانعي القرار: هل يمكن لإسرائيل أن تحقق التوازن بين المصالح السياسية الداخلية والأمن القومي في مواجهة تهديدات متزايدة من جهة غزة، أم أن استمرار سياسة التغاضي سيؤدي إلى نتائج عكسية على المدى الطويل؟