تشير تقديرات أمنية إسرائيلية حديثة إلى أن حركة حماس لم تُستنزف رغم الحرب المستمرة في قطاع غزة منذ أكتوبر 2023، وأنها ما تزال تحتفظ بما يصل إلى 20 ألف مقاتل، في حين يزداد حجم الأسلحة في الضفة الغربية بشكل يثير القلق، وفق ما نقلته مجلة "ذا أتلانتيك" الأمريكية.
القدرة العسكرية لحماس واستمرار المقاومة
المسؤول الأمني الإسرائيلي الذي زار مخيمات الضفة الغربية وصف حجم الأسلحة الموجودة هناك بأنه "يفوق كل تصور"، معربًا عن قلقه من احتمال انفلات الوضع في أي لحظة. وقد ربط هذا التصعيد بالعنف المتزايد للمستوطنين الإسرائيليين، والذي ارتفع عدد الحوادث المرتبطة به من أقل من 90 شهريًا إلى أكثر من 200 حادثة منذ بداية 2025، ما يعكس توترًا متزايدًا يهدد الاستقرار في المنطقة.
تشير هذه المعطيات إلى أن الحصار والتدمير العسكري في غزة لم يضعف حماس بالقدر المتوقع، وأن الحركة قادرة على الاحتفاظ بخيارات عسكرية واسعة، سواء في القطاع أو في الضفة الغربية، ما يعقد أي محاولة للتوصل إلى حل سياسي سريع.
استراتيجية إسرائيل في غزة: حرب بلا نهاية سياسية واضحة
أكد الجنرال السابق في سلاح الجو الإسرائيلي، نمرود شيفر، أن الاستراتيجية الإسرائيلية في غزة ترتكز على مبدأ "الحرب هي الاستراتيجية"، وهو نهج يخدم أهدافًا سياسية داخلية أكثر مما يخدم الأمن القومي. بحسب شيفر، هذه الاستراتيجية تدعم بقاء رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في موقعه وتساعد في الحفاظ على تماسك الائتلاف، لكنها لا تحقق أي أهداف عسكرية واضحة، ولا تفتح أفقًا سياسيًا لحل الصراع.
وتكشف المعطيات الميدانية عن أن العمليات الإسرائيلية تركز على تدمير البنية التحتية وإجبار الفلسطينيين على النزوح، مع تدمير واسع للأحياء السكنية والمرافق الحيوية، ما يخلق أزمة إنسانية مستمرة ويزيد من غضب السكان المحليين، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى تصعيد جديد في الضفة.
الضفة الغربية: عنف مستوطنين وفقدان السيطرة
تتصاعد المخاطر في الضفة الغربية بسبب تصاعد هجمات المستوطنين، والتي لا تقتصر على أعمال اعتداء على الممتلكات، بل تشمل مواجهات مباشرة مع المدنيين الفلسطينيين. ويشير المسؤول الإسرائيلي إلى أن هذه الحوادث المتزايدة قد تؤدي إلى ردود فعل عنيفة من الفلسطينيين، وربما تحالفات جديدة بين الفصائل المسلحة، ما يزيد من تعقيد الوضع الأمني ويشكل تحديًا لإسرائيل في السيطرة على المنطقة.
مفاوضات رهائن متعثرة ومبادرات وساطة بلا نتائج
رغم جهود وساطة مصرية وقطرية لوقف إطلاق النار، لا تزال المفاوضات مع حماس متعثرة. الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أشار إلى أن عدد الرهائن لدى حماس قد يكون أقل من عشرين، وأن الحركة مستعدة للإفراج عن عشرة فقط في أي صفقة مستقبلية، ما يعكس محدودية خيارات الوسطاء وتعقيد الموقف السياسي.
محاولات سابقة للتوصل إلى هدنة في مارس 2025 انهارت سريعًا، ما أدى إلى حصار كامل وتصعيد عسكري واسع، مع ارتفاع أعداد الضحايا المدنيين الفلسطينيين إلى أكثر من 62 ألف قتيل، وفق وزارة الصحة في غزة.
مأساة مستمرة
السيطرة الإسرائيلية على معظم قطاع غزة وتدمير البنية التحتية الحيوية خلفت أزمة إنسانية كبيرة، تشمل نزوح أكثر من مليوني فلسطيني ونقصًا حادًا في الغذاء والأدوية والمستلزمات الطبية. المستشفيات تعمل بطاقة منخفضة للغاية، والأوضاع الصحية تزداد سوءًا يومًا بعد يوم، في وقت لا توجد أي بوادر لحل سياسي قريب.
الضفة الغربية أيضًا تشهد تصاعدًا في الهجمات والمواجهات، ما يزيد من الضغط على المدنيين ويهدد بتوسيع دائرة الصراع، مع احتمال انتقال العنف إلى مناطق جديدة إذا لم يتم التحكم بالوضع.
المشهد الأمني والسياسي في فلسطين المحتلة يوضح أن إسرائيل تواجه تحديًا مزدوجًا: إدارة صراع داخلي مع تصاعد عنف المستوطنين، مع الحفاظ على السيطرة على غزة واحتواء قدرات حماس العسكرية. وفي الوقت ذاته، تبقى المفاوضات السياسية حول وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى في طريق مسدود، مما يزيد من احتمالية استمرار الصراع لفترة أطول.
يبقى الخيار الإنساني والسياسي الملح هو إيجاد آليات فعالة للتهدئة، لتخفيف معاناة المدنيين، قبل أن تتحول الضفة الغربية وقطاع غزة إلى مناطق غير مستقرة بالكامل، مع آثار قد تمتد إلى كامل المنطقة.