بين الدراما والحقيقة: كيف أصبحت غزة نسخة من لعبة الحبار

لعبة بلا فائز ومعركة مستمرة للبقاء

2025.08.23 - 12:19
Facebook Share
طباعة

تخيل أن كل خطوة تخطوها في حياتك اليومية قد تكون الأخيرة، وأن كل قرار تتخذه هو مسألة بقاء أو موت. هكذا يعيش كريم، ممرض شاب من غزة، حياته يوميًا، وسط القصف المستمر ونقص الطعام والماء. الحياة هنا أصبحت أشبه بلعبة "الحبار" الكورية، حيث يخوض المشاركون تحديات مميتة من أجل المال، أما في غزة، فالناس يخوضون تحديات الموت من أجل البقاء، بدون اختيار، بدون فرصة للانسحاب.

كل رحلة للحصول على الطعام، كل محاولة للنجاة من القصف، تتحول إلى لعبة خادعة لا يعرف أحد فيها من سيربح أو ينجو. في كل زاوية خوف، وفي كل صوت انفجار اختبار للصبر والدهشة، فتختلط الحياة بالموت في لحظة واحدة. هذه هي غزة، لعبة الحبار الحقيقية، حيث البقاء على قيد الحياة ليس مجرد خيار، بل معركة يومية تتطلب شجاعة لا يُقدر حجمها إلا من عاشها.

في تقرير نشرته "الغارديان"، يروي كريم، ممرض شاب من غزة، تفاصيل يومياته خلال أسبوع من الحرب، حيث أصبحت حياته اليومية أشبه بلعبة "الحبار" الكورية، التي يواجه فيها المشاركون تحديات مميتة من أجل المال. في غزة، لا يوجد اختيار، ولا لعبة، بل واقع يومي يمتحن القدرة على البقاء وسط القصف المستمر، الحصار، ونقص الغذاء والماء والدواء.

لعبة الحبار… الواقع المرير

يشبه كريم الحياة في غزة بالمسلسل الكوري "سكويد غيم" أو لعبة الحبار، حيث يشارك الناس في تحديات مميتة للبقاء. الفرق الوحيد أن سكان غزة لم يختاروا هذه اللعبة، كل شيء مفروض عليهم: البقاء على قيد الحياة، البحث عن الطعام والماء، التعامل مع الخوف والدمار. العالم الخارجي يراقبهم كما يشاهد الجمهور المسلسل، لكنه غالبًا يتجاهل معاناتهم اليومية الحقيقية، فلا مساعدة ولا حماية، فقط متابعة صامتة.

يستيقظ كريم كل صباح على أصوات الانفجارات المتقطعة ورجفان المباني، وكأن المدينة كلها تتحرك تحت أقدام الموت. قبل أن يغادر منزله، يتحقق من الأخبار على وسائل التواصل، يختار بعناية الطريق الأقل خطورة، ويخبر عائلته أن يبقوا في الداخل قدر المستطاع. كل خطوة في الشارع تحمل احتمال الموت، وكل لحظة انتظار على أبواب الملاجئ أو نقاط التوزيع تمثل اختبارًا للصبر والحنكة.

الطوابير… "يانصيب الموت"

الوصول إلى نقاط توزيع الغذاء يشبه بالنسبة لكريم لعبة مميتة، يشبهها بـ"يانصيب الموت". الطوابير الطويلة المزدحمة بالأطفال والنساء وكبار السن تتحول إلى مشهد مليء بالرهبة والقلق، فكل صوت انفجار قد يقلب المشهد رأسًا على عقب. بعض الناس يندفعون للاختباء، آخرون يبكون أو يحاولون المساعدة، وأحيانًا تنفجر صواريخ فوق رؤوسهم، فتسلب منهم الطعام والأمل في لحظة.

رغم كل هذا الرعب، يحاول كريم أن يجد بصيص أمل. في أحد الأيام، تمكن من شراء بعض السكر ليصنع كعكة بسيطة، تجربة صغيرة أشبه بلحظة انتصار على الظروف. يقول: "حتى لو كانت الكعكة صغيرة، فهي دليل على أننا ما زلنا نحاول العيش كبشر". هذه اللحظات القصيرة تصبح ذاكرة حية للتمسك بالحياة، وسط واقع يختلط فيه الحزن بالفرح الضعيف.

مأساة يومية على الأرض

خلال الأسبوع نفسه، عاش كريم مشاهد مؤلمة لا يمكن وصفها إلا بأنها اختبار مستمر للبقاء على قيد الحياة. القصف لم يتوقف، وكان يستهدف حتى نقاط توزيع المساعدات، حيث يقف الأطفال والنساء وكبار السن في طوابير طويلة، بانتظار رغيف خبز أو بعض الحساء، بينما تهدد القذائف حياتهم كل لحظة. كل صوت انفجار يقلب المكان إلى فوضى، ويترك الجميع في صمت مشحون بالخوف والرهبة.

لم يكن القصف وحده ما يثقل كاهل السكان، فقد واجه كريم وعائلته ترحيلًا قسريًا من المنزل نتيجة الدمار المستمر، واضطروا للجوء إلى ملاجئ مكتظة تفتقر لأبسط مقومات الحياة. الأوضاع هناك صعبة للغاية، والازدحام يضاعف من الخطر على المدنيين، بينما يظل القلق النفسي حاضرًا بلا توقف.

وفي وسط هذه الفوضى، جاءت الصدمة الأكبر حين سمع خبر وفاة مراسل الجزيرة أنس الشريف أثناء تغطيته الأحداث. هذا الخبر لم يكن مجرد حادث عابر، بل أصبح رمزًا لما يعيشه كل من في غزة من فقدان أمان وحياة طبيعية، وأكد لكريم مدى هشاشة الحياة في كل لحظة.

حتى أبسط تفاصيل الحياة لم تعد آمنة: طائرة مسيرة صورت فتاة أثناء استحمامها في حيهم المدمر، مشهد يعكس فقدان الخصوصية وفقدان الأمان بشكل متواصل، ويضيف بعدًا جديدًا من الرعب النفسي على حياة السكان.

كل هذه المشاهد اليومية جعلت غزة، كما يصف كريم، "غرفة انتظار للموت"، حيث أصبح كل يوم اختبارًا جديدًا للقدرة على البقاء، وتجربة مستمرة للمعاناة الإنسانية التي لا حدود لها.

غياب الأمان في كل تفاصيل الحياة

حتى أبسط الأشياء تصبح محفوفة بالمخاطر: الطهي، شرب الماء، الاستحمام، أو التحرك داخل الحي. الكهرباء مقطوعة لساعات طويلة، المياه محدودة، والمواد الغذائية الأساسية تكاد تنفد. كل نشاط يومي، مهما بدا بسيطًا، يتحول إلى اختبار للبقاء على قيد الحياة، فالخطر حاضر في كل زاوية، والخوف أصبح جزءًا من الحياة.

الأمل وسط الألم

رغم كل ذلك، يبقى الأمل حاضرًا في قلب كريم وسكان غزة. الأمل في أن يسمع العالم أصواتهم، أن تتدخل المؤسسات الدولية لوقف القصف، وأن يحصل الأطفال على فرصة للعب والبقاء على قيد الحياة دون خوف دائم. يقول كريم: "نحن لا نطلب شيئًا كبيرًا، فقط فرصة لنعيش كبشر". هذه الكلمات تحمل معاني المقاومة اليومية والتمسك بالإنسانية رغم كل التهديدات.

تقدم يوميات كريم صورة حية للواقع اليومي في غزة، وتكشف عن حجم المعاناة الإنسانية التي غالبًا ما تختفي خلف الأرقام والتقارير الرسمية. التقرير يطرح تساؤلات أخلاقية وسياسية حول مسؤولية المجتمع الدولي والأمم المتحدة والدول الكبرى في حماية المدنيين. ويؤكد أن معاناة غزة ليست مجرد مشهد تلفزيوني يُتابع بلا تحرك، بل حياة حقيقية مليئة بالدماء والخوف، لكنها أيضًا مليئة بالأمل في البقاء. 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 8 + 8