الإغاثة بالرصاص: شهادات تفضح الوجه الخفي لمؤسسة "GHF"

وكالة أنباء آسيا

2025.08.23 - 09:06
Facebook Share
طباعة

بينما يترقب الفلسطينيون في غزة وصول أي شحنة غذائية أو طبية تُبقي على رمق الحياة، خرج شاهد جديد ليضيف حلقة صادمة في ملف متشابك يتداخل فيه الجيش الإسرائيلي مع مقاولين أميركيين ضمن مؤسسة المساعدات المثيرة للجدل "GHF". الشهادة، التي بثتها شبكة CBS الأميركية، تعيد طرح أسئلة ثقيلة حول طبيعة الدور الحقيقي لتلك المؤسسة التي تحاول أن تحلّ محل وكالات الأمم المتحدة في إدارة الإغاثة.


الشاهد الذي عُرف باسم مستعار "مايك" روى أنه خلال عمله مع مقاولين أميركيين في مواقع توزيع المساعدات لاحظ على مدار أيام متتالية إطلاق نار على فلسطينيين كانوا مصطفين للحصول على حصص غذائية. لم يكن المشهد ـ كما قال ـ استهدافاً لمقاتلين، بل إطلاقاً عشوائياً على مدنيين عُزّل.
وأضاف أن مصدر النيران كان من مواقع يشغلها جنود إسرائيليون ومتعاقدون أميركيون، وأن الأمر لم يكن حادثاً عابراً بل ممارسة شبه يومية، لافتاً إلى أن بعض العاملين تفاخروا بعدد القتلى وحتى بقتل الطيور والحيوانات لمجرد "التسلية".
الأكثر قسوة في شهادته أنه طُلب منه تنظيف بقايا بشرية قرب مواقع التوزيع، موضحاً أن كل ما جُمع وُضع في شاحنة ليُزال عن الأنظار.


في مواجهة هذه الاتهامات الخطيرة، سارعت مؤسسة "GHF" إلى نفيها بشكل قاطع، ووصفتها بأنها "كاذبة وملفقة". كما اعترضت على امتناع CBS عن تقديم تفاصيل إضافية عن هوية الشاهد. من جانبها، اكتفت المؤسسة العسكرية الإسرائيلية بالقول إنها لا تستهدف المدنيين بشكل متعمد، وأعلنت فتح تحقيق داخلي.
هذه الشهادة الجديدة تأتي بعد مزاعم مشابهة أدلى بها جندي أميركي متقاعد كان قد عمل مع نفس المؤسسة، ما يعكس صورة مقلقة عن طبيعة الدور الميداني الذي تلعبه تلك الشبكة المدعومة أميركياً وإسرائيلياً.


منذ أشهر، تتعرض وكالة الأونروا الأممية لحملات تشويه واتهامات بدعم "الإرهاب"، في وقت تتصاعد فيه الضغوط لإحلال مؤسسات بديلة، مثل "GHF"، لتولي عملية توزيع المساعدات. لكنّ تكرار شهادات من الداخل عن ممارسات قتل أو تعذيب في تلك المواقع يعيد النقاش إلى نقطة جوهرية: هل الهدف هو الإغاثة الإنسانية حقاً، أم إعادة هندسة المشهد الغزّي عبر مؤسسات ذات صبغة أمنية وعسكرية؟
التحقيقات التي تعلنها إسرائيل تبقى ـ بحسب مراقبين ـ إجراءً شكلياً لامتصاص الضغوط الإعلامية، بينما يظل المدنيون في غزة هم الحلقة الأضعف، العالقون بين نار الحصار وتجارب "الإغاثة العسكرية" المشبوهة.


مؤسسة GHF بين "الإنقاذ" و"التسييس"

حين ظهرت مؤسسة غزة الإنسانية (GHF) مطلع عام 2025، قُدّمت كإطار "بديل" لتوزيع المساعدات في القطاع المحاصر، في ظل محاولات منظمة لإضعاف وكالة الأونروا وإخراجها من المشهد. المؤسسة مسجّلة في الولايات المتحدة وسويسرا، لكن فرعها الأوروبي تعثّر سريعاً بسبب مخالفات قانونية وإدارية، ما كشف منذ البداية عن هشاشة بنيتها.


رسمياً، تقول المؤسسة إنها تعمل على توفير الغذاء عبر "مراكز توزيع آمنة" لضمان وصول المساعدات دون سرقة أو فوضى. لكن هذه المراكز، التي لا يتجاوز عددها أربعة في جنوب القطاع، بدت محدودة القدرة، ولا تلامس إلا جزءاً صغيراً من الاحتياجات الكارثية في غزة، حيث تتوزع المأساة على ملايين يحتاجون إلى غذاء وماء ودواء ومأوى.


المنظمات الأممية والحقوقية اتهمت GHF منذ البداية بأنها تُحوّل المساعدات إلى أداة سياسية وأمنية. الأمم المتحدة نفسها طالبت في أغسطس 2025 بتفكيك المؤسسة فوراً، معتبرة أنها تخرق مبادئ القانون الدولي الإنساني، بينما تحدثت تقارير عن مئات الضحايا الذين سقطوا قرب مواقع توزيعها جراء إطلاق نار مباشر من القوات الإسرائيلية، وهو ما عزز الشبهات بأن المؤسسة تعمل في بيئة "عسكرية" أكثر منها إنسانية.


التمويل ظل موضع تساؤل: مصادر أميركية تحدثت عن تخصيص عشرات الملايين من الدولارات، بينما ألمحت تقارير أخرى إلى أن الرقم قد يقترب من نصف مليار. غياب الوضوح المالي وتضارب الأرقام عمّق أزمة الثقة، خصوصاً مع انسحاب منظمات إغاثة معروفة ورفضها التعاون مع المؤسسة.

ما وراء الصورة

في جوهر النقاش، لا تبدو GHF مجرد مؤسسة إغاثية، بل أداة ضمن مشروع أكبر لإعادة هندسة مشهد المساعدات في غزة: تقويض الأونروا، فرض بديل جديد، وإدارة المساعدات عبر شبكة ترتبط عضوياً بالولايات المتحدة وإسرائيل. وهو ما يجعل السؤال مفتوحاً: هل نحن أمام تجربة إنسانية فاشلة، أم أمام نموذج مقصود لـ"عسكرة الإغاثة"؟

 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 6 + 6