بين الحرية والجذور.. الحجاب والقلب الذي يريد أن يتحرر

2025.08.22 - 09:25
Facebook Share
طباعة

ولدتُ ونشأتُ في قرية صغيرة، حيث الحياة بسيطة، والناس مرتبطون بعاداتهم وتقاليدهم العميقة. هناك، لكل شيء اسمه ودلالته: لكل فعل وقته، ولكل لباس معنى. كفتاة ريفية، تعلمت منذ الصغر معنى الانتماء والاحترام، وكيف أن القيم تبقى ثابتة رغم تغير الزمن.

لكن داخلي كان يئن تحت قيود شكلية؛ قيود لم تقيد جسدي فقط، بل أنفاسي وروحي أيضًا. الحجاب والعادات التي يجب الالتزام بها شعرت أحيانًا كجدار يحيط بروحي، كقماش يفرضه المجتمع على جسدي دون أن يمس قلبي. لم يكن القماش عدوًا، بل أداة اجتماعية تحدد المنظور الخارجي للآخرين، لكنه لم يحدد من أنا حقًا، ولم يختصر أحلامي أو أفكاري. تعلمت أن القيم والإيمان لا يُقاسان بما يكسو الجسد، وأن الجوهر لا يُقيد بقماش مهما كثرت الطيات.

وعندما سافرت خارج بلدي، شعرت لأول مرة بحرية كاملة من القيود الشكلية: حرية اختيار ما أرتدي، حرية أن أُظهر نفسي كما أشعر، وحرية أن أرسم صورتي الخاصة أمام الآخرين دون خوف من الحكم عليّ. لم يكن هذا التحرر مجرد تغيير في الملابس، بل رحلة لاكتشاف نفسي، وتأكيد أن الجوهر يُقاس بالإيمان والأخلاق والحياة التي أختار أن أعيشها، لا بالقماش أو الشكل الخارجي.

تعلمت أن التحرر الحقيقي هو اختيار كيف نعيش دون أن نفقد جوهرنا، والحفاظ على قيمنا وهويتنا وسط كل التغيرات، وخلق مساحة خاصة حيث تتناغم الروح والحرية معًا. الحجاب بالنسبة لي أصبح رمزًا، لا قيدًا؛ قماشًا يمكن أن يختاره المرء كيف يرتديه، متى يظهره، وكيف ينسجم مع شخصيته، دون أن يمس جوهره أو يعكس أحلامه وطموحاته.

اليوم، أرى أن الإنسان يستطيع التحرر من القيود الشكلية دون أن يفقد جوهره، وأن يواجه العالم بثقة، محافظة على ذاته، ومتشبثة بالقيم التي حملها منذ الطفولة. الحجاب أصبح قماشًا يحمل اختياراتي، لا يحدها، ومرآة لجوهر حيّ، حرّ، قادر على التغيير دون أن يفقد هويته.

 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 10 + 5