شهدت منطقتا القنيطرة ودرعا في جنوب سوريا، مؤخرًا، توغلات برية جديدة من قبل الجيش الإسرائيلي، ما أثار حالة من التوتر والترقب. وبدلًا من الاكتفاء بالغارات الجوية المعتادة، دخلت دوريات عسكرية إسرائيلية إلى قرى ومناطق سورية، ونصبت حواجز مؤقتة، وفتشت منازل السكان، بل واعتقلت عددًا منهم لفترة وجيزة.
في بلدة عابدين غرب درعا، وهي جزء من منطقة حوض اليرموك، تم اعتقال ثلاثة شبان من عائلة المصري قبل إطلاق سراحهم لاحقًا. أما في القنيطرة، فتمركزت أربع آليات عسكرية إسرائيلية في قرية العجرف، حيث أُقيم حاجز عسكري على مدخلها، وخضعت بعض المنازل للتفتيش.
هذه التحركات الميدانية تُعد استمرارًا لسياسة إسرائيل بعد سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024، والتي تعتمد على تكثيف عملياتها البرية على طول الحدود السورية، بالتوازي مع ضرباتها الجوية. وتسيطر إسرائيل على المنطقة العازلة، لكنها تنفذ الآن مداهمات أعمق في مناطق تعتبرها خارج سيطرتها، وهو ما يمثل خرقًا لاتفاق فض الاشتباك لعام 1974 والقوانين الدولية التي تضمن سيادة الدول.
هل هي مجرد مناورة؟
لا يمكن فهم هذه التوغلات بمعزل عن المفاوضات الأمنية العلنية الجارية بين دمشق وتل أبيب، والتي تُجرى بوساطة أمريكية في باريس. الهدف من هذه المفاوضات هو التوصل إلى اتفاق يحد من التوترات العسكرية على الحدود، ويحدد مناطق نفوذ ونقاط مراقبة لكل طرف.
ويرى محللون أن التوغل الإسرائيلي الأخير هو محاولة لفرض واقع ميداني جديد قبل التوقيع على أي اتفاق، بهدف تعزيز موقف تل أبيب التفاوضي. فإسرائيل تسعى لضمان أن الاتفاق المستقبلي يمنحها حرية حركة أكبر في المناطق التي تعتبرها حيوية لأمنها، وأنها لن تلتزم بحدود رسمية قد تحد من قدرتها على التدخل.
تداعيات التوغل على الأرض
السكان المحليون: يعيشون حالة من الخوف وعدم اليقين، تحت ضغط المداهمات والاعتقالات المتكررة، التي تهدف غالبًا إلى جمع المعلومات أو ممارسة الضغط.
الحكومة السورية: تتلقى رسالة واضحة مفادها أن عليها تقديم تنازلات أمنية كبيرة في المفاوضات القادمة، وهو ما يزيد من تعقيد الوضع.
القوى الإقليمية: تتابع إيران ولبنان وحلفاؤهم عن كثب هذه التحركات، حيث إنها مؤشر على التوازنات الجديدة التي قد تتشكل في المنطقة بعد انهيار النظام السوري.
باختصار، هذه التوغلات هي جزء من لعبة مزدوجة تمارسها إسرائيل: فمن جهة تسعى إلى اتفاق دبلوماسي، ومن جهة أخرى تستخدم القوة العسكرية على الأرض لفرض شروطها وضمان مصالحها الاستراتيجية قبل أي التزام رسمي. ومن المتوقع أن تستمر هذه المناورات حتى يتم التوصل إلى صيغة نهائية للاتفاق الأمني.