ماذا يعني تحويل 90% من غزة إلى مناطق عسكرية؟

وكالة أنباء آسيا

2025.08.22 - 12:26
Facebook Share
طباعة

كشف تقرير صادر عن وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) عن تحول جذري في قطاع غزة، حيث أصبحت نحو 90% من مساحته مناطق عسكرية إسرائيلية. هذا التحول لا يمثل مجرد تطور ميداني عابر، بل استراتيجية منهجية تهدف إلى تحويل القطاع إلى "منطقة خطر شاملة"، تُعاني فيها المجتمعات المدنية من الحرمان المستمر من الأمان والحماية الأساسية. الواقع الجديد لا يهدد حياة السكان فحسب، بل يُبرز هشاشة تطبيق القانون الدولي الإنساني ودور المنظمات الإغاثية، ويضع الأسس لتفاقم أزمة إنسانية غير مسبوقة.

وتُشير التصريحات الرسمية للجيش الإسرائيلي ووزير الدفاع يسرائيل كاتس إلى أن الهدف ليس مجرد السيطرة العسكرية، بل تنفيذ استراتيجية أوسع تشمل الضغط على المدنيين وخلق بيئة للتحكم الكامل بالقطاع.

تقويض الحاضنة المدنية: يُعد تضييق المناطق الآمنة وإجبار السكان على النزوح المتكرر أحد الأساليب المركزية لإضعاف المجتمعات المحلية. النزوح المستمر يهدد الروابط الأسرية والاجتماعية، ويزيد من إرهاق الأفراد جسدياً ونفسياً، ما يقلّص قدرتهم على الصمود. العائلات التي تُضطر للتنقل بين مناطق آمنة مؤقتة تفقد مع الوقت القدرة على التخطيط لمستقبلها، ويصبح الأطفال أكثر عرضة للتشرد النفسي والاجتماعي.

تحقيق السيطرة الميدانية الكاملة: تحويل معظم مساحة القطاع إلى مناطق عسكرية يمكّن الجيش من إجراء عمليات واسعة النطاق دون قيود، ويعطيه مرونة عالية في المناورة التكتيكية والاستراتيجية. السيطرة على الأراضي بهذه الطريقة لا تقتصر على الجانب العسكري فحسب، بل تمتد لتشمل حرمان السكان من الحرية في التنقل والعيش في بيئة آمنة، مما يضعهم تحت ضغط مستمر يزيد من صعوبة المقاومة المدنية.

إحكام الحصار اللوجستي: المناطق المحيطة بالمراكز السكنية تتحول إلى مناطق عسكرية، مما يعيق وصول المساعدات الإنسانية ويحد من قدرة المنظمات مثل الأونروا على أداء مهامها. الحصار على الغذاء والدواء والمرافق الأساسية يؤدي إلى تكدس السكان في مناطق صغيرة، ما يزيد الضغط على البنية التحتية الهشة، ويضاعف من تفاقم الأزمة الإنسانية على مستويات متعددة: نقص المواد الغذائية، صعوبة الوصول إلى الخدمات الطبية، وتعطّل التعليم للأطفال.

الأطفال في قلب الأزمة

الأطفال هم الفئة الأكثر تأثراً بالنزوح القسري والتحولات المستمرة في البيئة الأمنية. كل عملية تهجير تؤثر بشكل مباشر على شعورهم بالأمان والاستقرار، وتترك آثاراً طويلة المدى على صحتهم النفسية والجسدية.

الصدمة النفسية: الأطفال الذين يتعرضون لنزوح متكرر يعانون من اضطرابات نفسية قد تستمر معهم طوال حياتهم، بما في ذلك القلق والاكتئاب واضطرابات النوم.

الخطر الجسدي: التكدس في مناطق محدودة وافتقار الملاجئ الآمنة يعرض الأطفال لإصابات مباشرة نتيجة النزاع المستمر.

انقطاع التعليم: إغلاق المدارس أو صعوبة الوصول إليها تجعل الأطفال محرومين من التعليم، ويؤثر ذلك على فرصهم المستقبلية وقدرتهم على النمو الطبيعي والاجتماعي.

الوضع في غزة يكشف عن فشل واضح للمجتمع الدولي في حماية المدنيين. التحذيرات المستمرة من قبل الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية لم تُترجم إلى إجراءات عملية فعالة على الأرض، ما يجعل الانتهاكات المتكررة للقانون الدولي الإنساني دون مساءلة.

هذا الفشل يُظهر محدودية قدرة الآليات الدولية على فرض حماية حقيقية للمدنيين، ويخلق سوابق خطيرة يمكن أن تُكرر في مناطق نزاع أخرى. استمرار الوضع الحالي يضع المجتمع الدولي أمام اختبار حقيقي، ويطرح تساؤلات حول جدوى القرارات الأممية في الأزمات الإنسانية الأكثر تعقيداً.

تحرك عاجل لتفادي كارثة وشيكة

تقرير الأونروا ليس مجرد إحصائية، بل وثيقة تحذيرية تدين الواقع الراهن وتنبّه إلى كارثة إنسانية وشيكة. استمرار هذا الواقع قد يحوّل غزة إلى منطقة غير صالحة للعيش، ويضع جيل كامل من الأطفال تحت ضغط التشرد والصدمات النفسية المستمرة.

التحرك الدولي العاجل أصبح ضرورة لا تحتمل التأجيل، ويجب أن يشمل:

حماية المدنيين فعلياً وليس عبر تصريحات دبلوماسية فقط.

فتح مسارات إنسانية آمنة ودائمة لتسهيل وصول الغذاء والدواء والخدمات الأساسية.

الضغط على الأطراف المتحاربة للالتزام بالقانون الدولي الإنساني وتجنب استهداف المدنيين.

غياب هذه الإجراءات سيؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية بشكل غير مسبوق، ويترك آثاراً طويلة المدى على مجتمع غزة بأكمله، خصوصاً على الأطفال، الذين سيحملون عبء الصدمات النفسية والاجتماعية لعقود مقبلة. 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 7 + 10