كاتس يتوعد: غزة ستتحول إلى جحيم مفتوح

وكالة أنباء آسيا

2025.08.22 - 09:28
Facebook Share
طباعة

في خطوة تحمل رسائل تصعيدية واضحة، أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس أن الحكومة صادقت على خطط عسكرية جديدة للجيش الإسرائيلي تهدف إلى حسم المواجهة مع حركة حماس في قطاع غزة. التصريحات التي جاءت بلهجة حادة غير مسبوقة، كشفت أن تل أبيب تستعد لمرحلة أكثر عنفًا في الحرب، تقوم على مضاعفة العمليات الميدانية والضغط السياسي والإنساني على الحركة حتى القبول بالشروط الإسرائيلية.


تصعيد ميداني مكثف

أوضح كاتس أن المجلس الوزاري للشؤون الأمنية صادق على خطة متعددة المحاور تتضمن القصف الجوي والمدفعي المكثف، إجلاء السكان المدنيين من مناطق محددة، إلى جانب المناورات البرية في قلب غزة. هذه المراحل ليست مجرد خطوات تكتيكية، بل تأتي ضمن ما وصفه الوزير بـ"معركة الحسم"، والتي تهدف بحسب الرؤية الإسرائيلية إلى تحييد القدرات العسكرية لحماس، وتفكيك بناها التنظيمية، ومنعها من إعادة بناء قوتها في المستقبل.
الخطط المعلنة تكشف أن إسرائيل تراهن على القوة المفرطة كأداة وحيدة لفرض واقع جديد في القطاع، وهو ما يطرح تساؤلات جدية حول حجم الكلفة الإنسانية والعسكرية لهذه الاستراتيجية، في ظل الاكتظاظ السكاني الهائل في غزة، وصعوبة إجلاء المدنيين بشكل فعلي وآمن.

 

لغة التهديد: "أبواب الجحيم" كسلاح نفسي

لم يكتفِ كاتس بطرح الخطط العسكرية، بل لجأ إلى استخدام خطاب تهديدي غير مسبوق، حين قال: "أبواب الجحيم ستفتح قريبًا على رؤوس قتلة ومغتصبي حماس". هذه اللغة تكشف عن اعتماد إسرائيل على الحرب النفسية والإعلامية كجزء من معركة الضغط على الحركة، في محاولة لإضعاف معنويات مقاتليها، وإظهار أن الحرب دخلت مرحلة اللاعودة.

التهديدات تضمنت أيضًا تحذيرًا مباشرًا بأن غزة قد تتحول إلى "رفح جديدة" أو "بيت حانون أخرى"، في استدعاء متعمد لمشاهد الدمار الواسع الذي شهدته تلك المناطق خلال الأشهر الماضية. والرسالة هنا واضحة: إذا لم توافق حماس على شروط إسرائيل، فإن الكارثة الإنسانية ستتكرر على نطاق أوسع في مناطق أخرى من القطاع.

 

الشروط الإسرائيلية: الأسرى ونزع السلاح

الرسالة المركزية في تصريحات كاتس تتمثل في وضع شرطين رئيسيين لإنهاء الحرب:

1. إطلاق سراح جميع الأسرى الإسرائيليين المحتجزين لدى حماس.


2. نزع سلاح الحركة بشكل كامل، وهو مطلب لطالما اعتبرته حماس تهديدًا وجوديًا ورفضت أي نقاش حوله.


إصرار إسرائيل على هذه الشروط يعكس رغبتها في فرض استسلام كامل على حماس، وهو ما يبدو بعيدًا عن الواقع السياسي والميداني، خاصة أن الحركة ما زالت قادرة على القتال والمناورة بعد مرور أكثر من عشرة أشهر على اندلاع الحرب.

 

محاولات "الحسم" الإسرائيلي

منذ أكثر من خمسة عشر عامًا، تكرر إسرائيل خطابها عن ضرورة "الحسم" ضد حركة حماس، باعتبارها التحدي الأكبر أمام مشروعها الأمني والسياسي في غزة. لكن رغم حجم العمليات العسكرية واتساعها، ظل هذا الشعار في الغالب أداة للاستهلاك الداخلي أكثر من كونه استراتيجية قابلة للتحقق على أرض الواقع.

 


عملية "الرصاص المصبوب" (2008–2009)

كانت أولى المحاولات الكبرى لإسرائيل عقب سيطرة حماس على غزة عام 2007. فقد شنت عملية عسكرية استمرت 22 يومًا، استخدمت فيها قوة نارية كثيفة بهدف إضعاف البنية التحتية للحركة وكسر شوكتها العسكرية.
ورغم سقوط آلاف الضحايا وتدمير مساحات واسعة من القطاع، فإن العملية لم تنجح في إنهاء حكم حماس أو تفكيك قدراتها، بل خرجت الحركة منها محتفظة بقدرتها على إطلاق الصواريخ ومواصلة السيطرة على القطاع.


عملية "الجرف الصامد" (2014)

بعد خمس سنوات، عادت إسرائيل إلى خيار الحرب المفتوحة عبر عملية "الجرف الصامد" التي استمرت 51 يومًا، وشهدت مواجهات برية عنيفة، خصوصًا في مناطق الشجاعية ورفح وخان يونس.
العملية أدت إلى دمار غير مسبوق في البنية التحتية المدنية، وألحقت خسائر عسكرية كبيرة بحماس، لكنها في الوقت نفسه كشفت عن مرونة الحركة وقدرتها على استنزاف الجيش الإسرائيلي من خلال الأنفاق والكمائن والصواريخ البعيدة المدى. ورغم إعلان إسرائيل أن هدفها كان "القضاء على قدرات حماس"، فإن نتائج العملية أثبتت مجددًا محدودية قدرتها على الحسم النهائي.

 

جولات التصعيد (2019–2021)

لم تقتصر المواجهات على الحروب الكبرى، بل شهدت غزة خلال أعوام 2019 وحتى مايو 2021 جولات تصعيد متكررة، غالبًا ما اندلعت نتيجة اغتيالات أو أحداث مرتبطة بالقدس والمسجد الأقصى.
ورغم أن إسرائيل لجأت إلى ضربات جوية مركزة في هذه الجولات، فإنها انتهت كلها بوقفات إطلاق نار هشّة بوساطات إقليمية، لتؤكد أن تل أبيب غير قادرة على فرض معادلة عسكرية طويلة المدى تمنع حماس من استعادة قوتها.

استمرار فشل "الحسم"

ما يمكن استخلاصه من هذه المحاولات هي أن إسرائيل، رغم تفوقها العسكري الهائل، لم تتمكن من إخراج حماس من المشهد الفلسطيني، بل على العكس، عززت الحركة مكانتها باعتبارها القوة الرئيسية في غزة وصاحبة النفوذ العسكري والسياسي الأكبر.
هذا الفشل المتكرر جعل شعار "الحسم" أقرب إلى ورقة دعائية للقيادات الإسرائيلية موجهة للرأي العام الداخلي، في ظل الانتقادات المتكررة للحكومات المتعاقبة بشأن عجزها عن تحقيق "نصر حاسم".

 


الحرب الحالية: بين الاستنزاف ومحاولات الردع

اندلعت الحرب الحالية عقب عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر 2023، حين نجحت حماس في إحداث صدمة عسكرية وأمنية غير مسبوقة داخل إسرائيل. ومنذ ذلك الحين، أعلنت الحكومة الإسرائيلية مرارًا نيتها "القضاء على حماس"، لكن الواقع الميداني أظهر عكس ذلك.

فقد واجه الجيش الإسرائيلي خسائر بشرية وعسكرية ملموسة في العمليات البرية، فيما واصلت المقاومة شن هجمات مضادة وكمائن منظمة، فضلًا عن استمرار إطلاق الصواريخ على العمق الإسرائيلي. في المقابل، أدى القصف الإسرائيلي المتواصل إلى كارثة إنسانية غير مسبوقة في غزة، أثارت إدانات وضغوطًا دولية متزايدة على تل أبيب.

 

السياق الإقليمي والدولي

تزامنت تهديدات كاتس مع حراك إقليمي ودولي مكثف. الوساطة المصرية والقطرية لا تزال تواجه صعوبات في التوصل إلى اتفاق تهدئة أو صفقة تبادل أسرى، بسبب تمسك إسرائيل بشروطها المتشددة، ورفض حماس الاستسلام.
في الوقت نفسه، تمارس واشنطن ضغوطًا على الحكومة الإسرائيلية لتقليل الكلفة الإنسانية للحرب، مع قلق أمريكي من أن يؤدي التصعيد الميداني إلى انفجار مواجهة إقليمية أوسع. على الضفة الأخرى، تصدر إيران وحزب الله تهديدات متزايدة، محذّرين من أن استمرار العمليات قد يؤدي إلى فتح جبهات جديدة، ما يضع إسرائيل أمام تحدي إدارة حرب متعددة المستويات.

 

البعد السياسي الداخلي في إسرائيل

إلى جانب البعد العسكري، تحمل تصريحات كاتس أيضًا أبعادًا سياسية داخلية. حكومة نتنياهو تواجه أزمة ثقة داخلية حادة، مع تراجع التأييد الشعبي واحتجاجات متصاعدة لعائلات الأسرى، إضافة إلى خلافات حادة داخل الائتلاف الحاكم بشأن إدارة الحرب.
تصريحات كاتس إذن يمكن قراءتها كجزء من محاولة ترميم صورة الحكومة الإسرائيلية أمام الرأي العام، عبر التلويح بالحسم والردع، رغم أن التجارب السابقة تشير إلى أن تل أبيب قد لا تكون قادرة على تنفيذ تهديداتها بالشكل الذي تروج له.

 

ما تكشفه تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي هو أن إسرائيل تدخل مرحلة جديدة من الحرب، تتسم بالرهان على التصعيد الأقصى عسكريًا ونفسيًا وسياسيًا لفرض شروطها على حماس. غير أن المعضلة الأساسية تبقى في قدرة تل أبيب على تحقيق أهدافها الاستراتيجية وسط تعقيدات ميدانية متزايدة وضغوط إنسانية ودولية غير مسبوقة.
وبينما تلوّح إسرائيل بفتح "أبواب الجحيم"، تبدو الحرب مفتوحة على سيناريوهين: إما تصعيد دموي جديد يفاقم الكارثة الإنسانية، أو تدخل دولي ضاغط يفرض تسوية سياسية جزئية.

 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 10 + 5