تُظهر التحليلات السياسية أن الأزمة اليمنية معقدة ومتعددة الأبعاد، حيث تتداخل العوامل المحلية مع التأثيرات الإقليمية والدولية.
خبراء الشرق الأوسط يرون أن فكر الجماعات المسلحة في اليمن، بما في ذلك الحوثيون، يشكل أحد أبرز التحديات أمام جهود السلام، ليس لاعتبارات عرقية أو دينية فحسب، بل أيضًا بسبب أساليبها في إدارة النزاع والسيطرة على المناطق التي تسيطر عليها.
المحللون يؤكدون أن أي حل سياسي مستدام لن يتحقق دون معالجة بنية السلطة المحلية المسلحة، وضمان أن أي ترتيبات مؤقتة لا تتحول إلى آلية لتثبيت نفوذ الجماعة على الأرض.
من هذا المنظور، فإن التهدئة أو الاتفاقيات الجزئية تُعتبر أدوات يمكن استخدامها لكسب الوقت، لكنها لا تعالج الأزمة الهيكلية التي تعيق استقرار الدولة اليمنية.
على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي، يشير خبراء التنمية إلى أن التدهور الاقتصادي وتأزم الخدمات العامة يعمقان هشاشة المؤسسات ويزيدان صعوبة تطبيق أي اتفاق.
فقد أدى استمرار النزاع إلى ارتفاع معدلات الفقر وتدهور العملة، وهو ما يحد من قدرة الدولة على توفير الخدمات الأساسية، ويؤثر على قبول المجتمع المحلي لأي تسوية سياسية محتملة.
أن الدعم الإقليمي والدولي للأطراف المختلفة يعقد عملية التفاوض ويزيد من أهمية دور الأمم المتحدة والمبعوثين الدوليين في ضبط العملية السياسية، ومراقبة التزامات الأطراف، مع التركيز على حماية المدنيين وضمان استمرار الخدمات الإنسانية الاتفاقيات الدولية، يجب أن تركز على تفادي أي انتكاسات في تطبيقها، مع خلق آليات للضغط والتقييم المستمر.
التحليلات الاستراتيجية تشير أيضًا إلى أن استمرار النزاع العسكري والتهديدات الإقليمية، مثل تدفقات الأسلحة والدعم الخارجي، يزيد من مخاطر تمدد النزاع ويعيق جهود البناء المؤسسي للدولة اليمنية. ولذا، فإن أي مسار نحو السلام يتطلب مزيجًا من الضغط الدبلوماسي الدولي، والاستقرار الاقتصادي المحلي، وضمان آليات تنفيذية لمراقبة الالتزامات.
في هذا السياق، يرى خبراء الشؤون اليمنية أن معالجة جذور الأزمة تتطلب مقاربة شاملة تشمل تفكيك الهيمنة العسكرية والسياسية، وإعادة دمج المجتمع المدني والمؤسسات الحكومية في صنع القرار، وضمان حقوق المواطنين الاقتصادية والاجتماعية. ويشيرون إلى أن أي تقدم في مسار السلام يعتمد على توافر بيئة سياسية مستقرة ومجتمع مدني قادر على المساهمة في بناء الدولة وتفعيل مؤسساتها، بعيدًا عن أي سيطرة أحادية.
الأزمة اليمنية ليست نزاعًا عسكريًا فقط، بل هي ظاهرة سياسية واجتماعية متشابكة تتطلب حلولًا متوازنة ومهنية تراعي جميع الأطراف والمجتمع الدولي، مع التركيز على استدامة الدولة وتحقيق استقرار شامل على المدى الطويل.
الوضع في اليمن يشير إلى عدة مسارات محتملة تتعلق بكيفية تطور الأزمة، ويعتمد ذلك على توازن القوى المحلية، ومستوى الدعم الإقليمي والدولي، وفعالية المؤسسات الحكومية والمجتمع المدني.
أولًا: استمرار الوضع الراهن مع تهدئة جزئية:
قد تستمر التهدئة الجزئية أو الاتفاقيات المؤقتة، بما يسمح بخفض حدة النزاع العسكري دون معالجة جذور الأزمة. في هذا السيناريو، يبقى الحوثيون جزءًا من الواقع السياسي والعسكري، وتستمر المؤسسات الحكومية في التحدي اليومي لتقديم الخدمات الأساسية، بينما يتراجع دور المجتمع المدني. قد يؤدي هذا إلى استمرار هشاشة الدولة وعدم استقرار طويل الأمد.
ثانياً: ضغط دولي وإقليمي لإجبار الأطراف على التفاوض الجاد:
يعتمد على تضامن المجتمع الدولي والجهود الأممية للضغط على جميع الأطراف، بما في ذلك الحوثيون، لقبول اتفاق سياسي شامل. في هذه الحالة، يمكن تحقيق تقدم في فتح الطرق الإنسانية، تحسين الوضع الاقتصادي، وبدء خطوات جدية نحو بناء مؤسسات الدولة، لكن نجاح هذا السيناريو مرتبط بمدى التزام الأطراف وتجاوزهم الحسابات الإقليمية الضيقة.
ثالثًا: تصعيد عسكري شامل
في حالة فشل الجهود الدبلوماسية:
قد يتجه النزاع نحو تصعيد عسكري أوسع، ما يزيد من الأضرار الإنسانية ويعقد فرص السلام. هذا التصعيد يمكن أن يشمل توسع العمليات في المناطق الحضرية والموانئ، وهو ما يؤدي إلى مزيد من التدهور الاقتصادي والاجتماعي ويجعل عملية التسوية المستقبلية أكثر صعوبة.
رابعًا: تحول نحو مشاركة سياسية موسعة:
هناك سيناريو محتمل يركز على دمج جميع الأطراف في إطار سياسي مؤسسي، مع ضمان مشاركة الحوثيين تحت ضوابط واضحة، وإعادة دمج مؤسسات الدولة، وتفعيل المجتمع المدني في صنع القرار. هذا السيناريو، وفق محللين، يحتاج إلى إرادة سياسية قوية ودعم دولي متواصل، لكنه يوفر أفضل فرص لتحقيق سلام مستدام واستقرار اقتصادي وسياسي طويل الأمد.
خامساً: سيناريو اقتصادي – إنساني:
سيناريو آخر يركز على معالجة الأبعاد الاقتصادية والإنسانية أولاً، من خلال دعم العملة الوطنية، تحسين الخدمات الأساسية، وتخفيف المعاناة اليومية لليمنيين النجاح في هذا المجال يمكن أن يخلق قاعدة شعبية ضاغطة على الأطراف لتبني حلول سياسية، وهو ما يعكس أهمية الدمج بين الاستقرار المعيشي والسياسات الأمنية.
كل السيناريوهات تعتمد على مدى التزام الأطراف اليمنية والدولية بإنهاء النزاع، وفعالية الآليات الرقابية، وقدرة المجتمع المدني على المشاركة في صناعة القرار التحليل يشير إلى أن أي تقدم حقيقي يتطلب معالجة جذور المشكلة، وليس مجرد إدارة الأزمة بشكل مرحلي أو مؤقت.