قوات أممية تبدأ الانتشار في السويداء.. إغاثة أم تموضع استراتيجي؟

2025.08.21 - 09:48
Facebook Share
طباعة

في تطور لافت جنوب سوريا، أكد "المرصد السوري لحقوق الإنسان" أن وفداً تابعاً للأمم المتحدة دخل إلى محافظة السويداء قادماً من دمشق، ضمن رتل عسكري يضم آليات تابعة للقوات الأممية. الجولة شملت عدداً من القرى برفقة فصائل محلية درزية، في وقت تحدثت مصادر محلية عن عمليات تمشيط تستهدف إزالة الألغام ومخلفات الاشتباكات.

يرى مراقبون أن الانتشار الأممي يحمل دلالات تتجاوز البعد الإنساني، إذ قد يشكل مقدمة لإرساء صيغة جديدة من "المناطق الآمنة" على غرار التجربة الكردية في شمال شرق سوريا. لكن هذه المرة يجري الحديث عن ربط مباشر بين الجنوب السوري والجولان، بما يضع إسرائيل شريكاً ضمنياً في المشهد، سواء عبر الحماية الجوية المزعومة أو من خلال فرض شروط على حركة المساعدات.

محافظة السويداء التي يغلب على سكانها أبناء الطائفة الدرزية، لم تكن طوال سنوات الحرب السورية طرفاً أساسياً في المعارك الكبرى، لكنها تحولت تدريجياً إلى بؤرة توتر مع تصاعد الاحتجاجات ضد الحكومة السورية منذ عام 2023، وتنامي نفوذ الفصائل المحلية المسلحة التي فرضت نوعاً من الإدارة الذاتية على بعض المناطق.

هذه الفصائل – رغم تباينها بين مجموعات مدعومة من جهات خارجية وأخرى ذات طابع محلي – تشكل اليوم اللاعب الأكثر تأثيراً داخل المحافظة، وهي من رافقت وفد الأمم المتحدة خلال جولته الأخيرة.

التدخل الأممي: بين حماية المدنيين ورسم خرائط جديدة

تزامن الانتشار الأممي مع وصول قوافل مساعدات إنسانية أممية إلى المحافظة، في محاولة لتخفيف آثار النزوح والخسائر البشرية التي خلفتها الأحداث الأخيرة. وأكد منسق الأمم المتحدة في سوريا، آدم عبد المولى، خلال زيارته السويداء، أن الوضع الطبي كارثي وأن العثور على إمدادات منقذة للحياة "يكاد يكون مستحيلاً"، داعياً المانحين إلى تكثيف الدعم.

الحكومة السورية من جانبها شددت، عبر وكالة "سانا"، على أنها منحت المنظمات الأممية التسهيلات والموافقات اللازمة للعمل في المنطقة، نافية الأنباء التي تحدثت عن انسحاب قواتها من القرى الحدودية.

في المقابل، نقلت تقارير إعلامية معارضة أن القوات الأممية تستعد للإشراف على افتتاح ممر إنساني يربط الجولان بالسويداء، وسط حديث عن "تأمين جوي إسرائيلي" لهذا المسار. التقارير ذاتها أشارت إلى أن القوات الحكومية بدأت انسحاباً تدريجياً من كامل الحدود الإدارية للمحافظة، وهو ما يثير تساؤلات عن طبيعة التفاهمات الدولية والإقليمية الجارية في الجنوب السوري.

التحرك الأممي في السويداء يعكس – وفق محللين – إدراكاً متزايداً لخطورة الوضع الإنساني والأمني، لكنه في الوقت ذاته يفتح الباب أمام احتمالات تدويل الملف الجنوبي السوري، في ظل الغموض حول حدود الدور الإسرائيلي والأممي هناك. وإذا صحت الأنباء عن الممر الإنساني، فإن ذلك قد يمثل سابقة من نوعها تربط السويداء مباشرة بالجولان، بما يحمله ذلك من حساسية سياسية وأمنية بالغة.

السيناريوهات المحتملة

1. ممر إنساني محدود
السيناريو الأقرب على المدى القصير يتمثل في أن يقتصر دور القوات الأممية على تأمين إدخال المساعدات الطبية والغذائية العاجلة، مع رقابة مباشرة على حركة النزوح واللاجئين. في هذا الإطار، تبقى سيطرة دمشق شكلية على الأرض لكنها تسمح للمنظمات الدولية بالتحرك ضمن مسارات محددة. نجاح هذا السيناريو يعتمد على هدوء أمني نسبي في القرى الحدودية، وعلى استمرار التنسيق مع الفصائل المحلية التي تسيطر على الطرقات والممرات. لكن في حال تجدد المواجهات أو اعتراض قوافل الإغاثة، فإن هذا النموذج قد ينهار سريعاً.

2. إدارة شبه دولية
إذا توسع الانتشار الأممي وتحوّل من مجرد قوافل مساعدات إلى وجود مستدام على الأرض، قد نشهد إنشاء منطقة شبه آمنة بإشراف مباشر للأمم المتحدة، وهو ما سيعيد إلى الأذهان تجربة "المناطق العازلة" في شمال العراق خلال التسعينيات أو "الإدارة الذاتية" في شمال شرق سوريا. في هذا السيناريو، تتحول السويداء إلى ساحة نفوذ دولية جديدة، حيث تُفرض قواعد حركة وأمن مختلفة عن باقي الجغرافيا السورية. مثل هذا التطور سيضع دمشق أمام معادلة صعبة: إما قبول واقع تقسيمي جديد، أو الدخول في مواجهة مع المجتمع الدولي بما يحمله ذلك من عواقب سياسية واقتصادية.

3. تفاهمات إقليمية
السيناريو الأكثر تعقيداً يتمثل في تثبيت ترتيبات إقليمية جديدة تشمل الأردن وإسرائيل والولايات المتحدة، إلى جانب الأمم المتحدة. هذا النموذج قد يمنح إسرائيل دوراً أمنياً غير مباشر في الجنوب السوري عبر حماية جوية أو تنسيق لوجستي للممرات الإنسانية، بما يعيد ربط السويداء بالجولان المحتل. في حال تحقق ذلك، سيكون الهدف الأعمق هو تحجيم نفوذ دمشق وحلفائها (خصوصاً إيران) في الجنوب، وإرساء نوع من "التوازن المفروض" بالقوة الناعمة عبر العمل الإنساني. لكنه في الوقت ذاته قد يشعل توتراً سياسياً واسعاً، إذ تعتبر دمشق وطهران أن أي دور إسرائيلي جنوب سوريا يمثل خطاً أحمر استراتيجياً.

شهدت محافظة السويداء خلال الأشهر الأخيرة احتجاجات واسعة وموجات عنف مسلح بين فصائل محلية والقوات الحكومية، ما أدى إلى نزوح آلاف المدنيين وتفاقم الأوضاع الإنسانية. موقع المحافظة الحدودي مع الأردن والجولان السوري المحتل يضاعف من تعقيد المشهد، ويجعل أي تدخل أممي أو دولي محط جدل داخلي وإقليمي على حد سواء.

ومنذ اندلاع الحرب السورية عام 2011، لعب الجنوب السوري دوراً محورياً في معادلة الصراع، باعتباره خط تماس حساساً مع كل من الأردن وإسرائيل. اتفاقات خفض التصعيد التي أُبرمت بوساطة روسية – أميركية عام 2018 حدّت مؤقتاً من المواجهات، لكن عودة الاضطرابات في السويداء مؤخراً كشفت هشاشة تلك الترتيبات. واليوم، يبدو أن الأمم المتحدة تتحرك لسد فراغ أمني وإنساني، لكن بطابع يفتح الباب أمام إعادة رسم خرائط السيطرة جنوب سوريا. 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 4 + 9