يشير الوضع الراهن للنازحين في العراق إلى أن الأزمة لم تنتهِ بعد، رغم عودة ملايين الأشخاص إلى مناطقهم الأصلية أو اندماجهم في مجتمعات جديدة ما زال آلاف العراقيين يعيشون في مخيمات النازحين الداخليين والمستوطنات العشوائية، وهو ما يعكس الأبعاد المعقدة للنزوح الطويل الأمد، ويبرز الحاجة إلى سياسات شاملة تتجاوز العودة المادية لتشمل إعادة بناء الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والكرامة الإنسانية.
الخلفيات التي ساهمت في استمرار النزوح ترتبط بالعديد من العوامل، منها آثار النزاعات السابقة، وتدمير البنية التحتية، ونقص الخدمات الأساسية، إضافة إلى المخاطر الأمنية في بعض المناطق التي حالت دون عودة آمنة للعائلات كما تظهر التحديات الإدارية والبيروقراطية وافتقار التنسيق الكامل بين الجهات الحكومية والمنظمات الإنسانية الدولية، ما يبطئ وتيرة تأهيل العائدين ويحد من فعالية البرامج المقدمة لهم.
تعمل الأمم المتحدة، من خلال منسقها للشؤون الإنسانية غلام محمد إسحق زي، على تنفيذ خريطة طريق شاملة تهدف إلى الحد من النزوح الداخلي الطويل الأمد، مع التركيز على ضمان سكن آمن، واسترداد ممتلكات العائدين، وتوفير تعويضات عادلة، وتيسير الوصول إلى الخدمات الحكومية وتؤكد المنظمة أن إعادة بناء الحياة تتطلب أكثر من مجرد العودة المادية، إذ تشمل تحقيق الاستقرار وتمكين السكان، خصوصًا الفئات الأكثر ضعفًا مثل الأطفال والنساء والمسنين.
الحكومة العراقية بالتنسيق مع منظمات دولية، ومنها منظمة الهجرة الدولية والمفوضية العليا لشؤون اللاجئين، تنفذ برامج تأهيلية في مراكز مثل مخيم الجدعة، تشمل الدعم النفسي والاجتماعي، والتعليم، والتدريب المهني، لتعزيز قدرة العائدين على استعادة حياتهم الطبيعية واندماجهم في المجتمع وقد شملت هذه الجهود إعادة أكثر من عشرة آلاف شخص من مخيم الهول السوري بعد برامج توعية وتأهيل شاملة، ما أسهم في غلق المخيمات وفتح حياة جديدة لهم، مع تعزيز شعورهم بالانتماء للوطن.
التبعات الإنسانية لعدم معالجة ملف النزوح بشكل كامل قد تشمل استمرار هشاشة السكان، وانتشار الفقر، وتأخر إعادة البناء، بالإضافة إلى زيادة التوترات الاجتماعية والمخاطر الأمنية في المناطق المتضررة في المقابل، النجاح في تنفيذ برامج التأهيل والتوطين يحد من هذه المخاطر ويحقق استقرارًا نسبيًا للمجتمع، ويضمن حماية كرامة العائدين وتعزيز حقوقهم الأساسية.
تدل المؤشرات على أن النزوح الطويل في العراق قضية إنسانية متشابكة مع الاستقرار السياسي والاجتماعي، وأن الحلول المستدامة تتطلب تنسيقًا عالي المستوى بين الحكومة والمنظمات الدولية والمجتمع المدني لضمان وصول المساعدات، وتأهيل العائدين، وحماية حقوقهم، مع التركيز على تقديم رعاية خاصة للفئات الأكثر ضعفًا.